السعوديون ومتطلبات سوق العمل (1 من 2)
بداية لا بد من الإشارة إلى أنني لم أطلع على دراسة علمية وعملية موثقة وواضحة تشخص سوق العمل السعودية وتحدد رؤيتها واستراتيجيتها ومتطلباتها بناء على رغبات وقدرات المستهدفين بهذه السوق من الأيدي العاملة، كما أنني لا أعرف ولم أطلع على سياسة الدولة لسوق العمل وهي السياسة التي يفترض فيها أن تكون الموجهة لاستراتيجية وزارة العمل وغيرها من الوزارات المعنية عن توفير متطلبات سوق العمل من الأيدي العاملة السعودية.
وهنا فإنني أطرح بعض الانطباعات التي أسمعها أو سبق الكتابة عنها حول متطلبات سوق العمل السعودية من الأيدي السعودية. أغلب تلك الانطباعات ترى أن الأخذ بمفهوم سعودة بعض الأسواق مثل سوق الخضار أو الذهب أو المحال النسائية أو غيرها من فرص العمل التي نحاول من خلالها فرض تلك الفرص على صاحب العمل السعودي أو الأجنبي أو على طالب الفرصة التي كما يقول المتحدثون عن سوق العمل إنها لم تحقق الهدف الحقيقي المباشر من السعودة وإنما خلقت سوقا سوداء تقوم على ابتزاز الصناديق الحكومية وشبه الحكومية الداعمة لمشروع السعودة.
إن أهمية دراسة المجتمع السعودي بمختلف أطيافه ومعرفة توجهاته وميوله ومتطلباته وقيمه وعاداته أمر في غاية الأهمية لتحديد أولويات سعودة عديد من الفرص الحقيقية التي يمكن أن تقدمها السوق لأبناء المملكة من الجنسين مع تطوير آلية واضحة وشفافة لتقويم كل تجربة ومعرفة أثرها الإيجابي أو السلبي الحقيقي في تحقيق أهداف السعودة.
و يمكن في هذا الشأن تلمس بعض القطاعات أو الفرص التي يمكن توجيه فئات المجتمع السعودي من الجنسين لها كل حسب طبيعته وطاقته وقدراته. على سبيل المثال فإن قطاع التعليم الأهلي يستطيع استقطاب الآلاف من الشباب السعودي خصوصا المرأة لأنه قطاع نام ومدعوم من أعلى سلطة في الدولة، وهذا القطاع قادر على أن يكون شريكا أساسيا لمشروع السعودة الحقيقية وليس ما نراه اليوم ممن يتحايل على الأنظمة. في المقابل فإن قطاع الإنشاءات قادر على استقطاب الآلاف من الشباب السعودي في المهن التي يمكنهم الإبداع فيها، بعيدا من الاعتقاد بأن كل المهن مناسبة لأنني لا أعتقد أن مهنة نجار أو حداد أو طباخ أو غيرها من المهن الشريفة يمكن أن تكون جاذبة للشباب السعودي، وإنما تقابلها فرص جاذبة ومناسبة وملائمة للشباب السعودي مثل مهنة مراقب عمال أو إنشاءات وهي فرص يتجاوز عددها الآلاف في مختلف شركات المقاولات العامة العاملة في المملكة.
لو كلفنا أنفسنا بالقيام بدراسة ميدانية مباشرة عن حجم الفرص في قطاع الإنشاءات، ومنها فرص مراقب الإنشاءات والعمال، لوجدنا أننا نملك ثروة وطنية عالية يمكن استثمارها في تحقيق سعودة هذه الفرص في قطاع المقاولات. يقابل ذلك آلاف الفرص في مشاريع النقل العام والتحلية وغيرها من المشاريع التي يمكن أن يقبل عليها الشباب السعودي دون الإحساس بالحرج أو غيرها من الأمور التي تؤثر في توجهاته وعلاقاته الأسرية.
في المقابل يمكن أن نؤخر الاندفاع نحو سعودة عديد من المهن التي ثبت لنا بالتجربة صعوبة سعودتها وأن الإصرار على سعودتها أدى إلى نشوء سوق سوداء فاسدة لا تخفى على صناع القرار، وهنا يمكن لنا أن نضع أولويات سعودة السوق وربط ذلك بمخرجات التعليم والتدريب وفق ضوابط محددة تعتمد على التحفيز والترغيب نحو مساعدة الشباب على التأهل لها وقبولها شخصيا ومجتمعيا.
إن هذا التوجه يجب أن يبنى على رؤية تنموية وطنية تنطلق من سياسة الدولة لتحقيق السعودة الإبداعية لسوق العمل ثم يتولى كل قطاع من قطاعات الدولة الخمسة الممثلة في القطاع الحكومي والخاص والأكاديمي والإعلام ومؤسسات المجتمع المحلي القيام بواجبه نحو تنفيذ هذه الاستراتيجية بدلا من ترك جهة واحدة تقوم بالتخطيط والتفكير والتنفيذ والمتابعة والمراقبة والتطوير .. إلى آخر هذه السلسلة الإدارية العملية المعروفة. ولي عودة بإذن الله للحديث عن أهم المؤشرات التي يمكن الأخذ بها لبناء الخريطة الذهنية التي تقود إلى وضوح الطريق نحو إعداد استراتيجية يمكن تحويل أهدافها إلى برامج ومشاريع تحقق المطلوب وفق خطط زمنية متفاوتة تجمع بين سرعة التنفيذ واستدامة التطوير والدعم وفق المبادئ والقيم التي توضع لهذا الشأن. وفّق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد، وعالمي الطموح.
وقفة تأمل:
«من بادي الوقت هذا طبع الايَّامِ ..
عذبات الايَّام ماتمدي لياليها
حلو الَّليالي توارى مثل الأحلامِ ..
مخطور عنَّي عجاج الوقت يخفيها
أسري مع الهاجس الِّلي ما بعد نامِ ..
وأصوِّر الماضي لنفسي وأسلَّيها
أخالف العمر أراجع سالف أعوامِ ..
وأنوَّخ ركاب فكري عند داعيها».