«المليشيا» داخل الدولة
عندما ضعفت الدولة العسكرية العربية بسقوط شعاراتها بعد 40 سنة من الفشل، حدث فراغ سياسي جلب النفوذ الأجنبي لملئه بعدة صور للتدخل: إما بشكل مباشر بتدخل دول كبرى في شؤون الدولة الداخلية، أو جاء الأجنبي على ظهر حمير المليشيات التي تبيع ولاءها لمن يشتري بما فيهم الأعداء.
الأبرز ظاهرة المليشيات داخل الدولة ظاهرة عربية بامتياز، فهذه المليشيات تنشأ كأحزاب شرعية معلنة، ثم تسلح نفسها، ثم تبدأ سيطرتها على مساحة من أوطانها بحجة حماية مصلحة أتباعها، حيث تلغي دور الحكومة العاجزة كما يفعل حزب الله، وعدد من مليشيات سورية والعراق، ولأن هذه المليشيات ترفع شعارات حزبية، وتعلن نفسها مذهبية التوجه في الغالب لا تستطيع أن تشكل ثورة كاسحة لحكوماتها الضعيفة، بل تعيش في جسد الوطن لتنهكه، وهي تتخذ ذرائع مثل المقاومة، أو حفظ حقوق أقليات سنية وشيعية، وهي حقيقة لا تحمي مصلحة من تنتسب لهم، لكنها تكون مصدر رزق بتوظيف وتجميد أبناء الطائفة، والموالين لها من موارد أحيانا تصلها من خارج الوطن لتكون أذرعا في أوطانها.
المستفيدون من هذه المليشيات غالبا دول أجنبية تحقق أغراضها، ونفوذها مقابل حفنة من النقود، وفكرة المليشيا في أصلها فكرة غربية لتخفيف العبء والمصاريف على الجيوش بإنشاء مليشيات محلية مرتزقة،
المؤسف أن مثل هذه المليشيات وأكبرها تدعي أنها سنية أو شيعية تتقاطع مصالحها، فقد تجد فرقة سنية تحارب فرقة سنية، وشيعة يحاربون شيعة، وهو ما يؤكد كذب مزاعم هذه المليشيات العربية المليئة بالعفن والإرهاب، أو في أحسن الأحوال المغرر بهم.
هذه المليشيات العربية الطائفية المذهبية ومهما تسميها في الغالب تنقسم على نفسها كأي فكر ضيق ينكمش على نفسه، فيضيق وينقسم، فليست المسألة مبدأ أو صليبية دينية بل تطور للمليشيا داخل الوطن الواحد، وهي لا تحكم مثل حزب الله والحوثي والقاعدة لأنها لا تملك مقومات الحكم والإدارة وإن ملكت القوة.
هذا التطور في المليشيات داخل الوطن ليس مسبوقا في تاريخ الحضارة، فقد كانت هذه الفرق توصف بأنها فتن وتقمع من قبل الدولة في عصر الدولة الإسلامية، وكانت هذه المليشيات لو انتصرت تحكم البلاد أقواها ولم تكن تتعايش كعفن فاسد ينهك الدولة ويعرقل التنمية، ويخدم أغراضا أجنبية دون أن يكون قادرا على تأسيس دولة.
في النهاية بثور المليشيات في الدول العربية هي محصلة فراغ السلطة وفشل الدولة السياسي والتنموي.