الدكتور .. راعي الغنم

خبرات الحياة ودروسها لا تعد ذات قيمة ونفع ما لم نتبادلها مع الآخرين، لتكون أشبه بالقناديل المضيئة التي تشع في الطريق المظلم، فتمنح السائرين ضياء يرشد خطاهم، ويمنحهم الإلهام الذي ينشدونه.
كنت ألقي محاضرة في جامعة العلوم الإنسانية في محافظة الأفلاج، تدور محاورها حول تأثير قوة الأفكار في تحديد مسار حياتنا، وكيف أن التفكير السلبي أو الإيجابي هو اختيار شخصي للإنسان، يمكنه من خلال اختياره أي واحد منهما أن يكون فاشلا أو يكون ناجحا، وضربت عديدا من الأمثلة الواقعية لأشخاص لم يعترفوا بالمستحيل فنجحوا.
بعد انتهاء المحاضرة اقتربت مني إحدى الأستاذات الفاضلات وطلبت مني أن أستمع لقصة كفاح إنسان تخيل هدفه وسعى لتحقيقه بكل همة وتحدٍ، دون أن يعير سمعه للأشخاص السلبيين من حوله، ولأن قصته أذهلتني فأحببت أن أخبركم بها قرائي الأعزاء.
تقول هذه الأستاذة الفاضلة وهي من جمهورية السودان الشقيقة، عرفنا هذا الشخص راعيا للغنم منذ صغره، كان أميا لم يقرأ صفحة واحدة في حياته، فقد كان يومه منذ شروق الشمس إلى غروبها، يتمحور حول غنيماته والبحث عن مرعى لها، كان يسير معها حيث سارت، وفجأة سأل نفسه لِمَ لا أتعلم القراءة، ما الذي يحول بيني وبين ذلك الحلم؟ وأدرك داخليا أن العراقيل هي مجرد وهم لا يوجد إلا في عقول الفاشلين، وابتدأ يدرس عصرا في مدارس "محو الأمية" وهو في الخامسة والأربعين من عمره، وبعد سنوات قلائل أخذ الشهادة الابتدائية، ولأن روعة الإنجاز تمنح الشخص الإيجابي إحساسا "لذيذا"، فقد قرر أن يكمل فدرس المتوسط والثانوي وتفوق فيهما، وهنا دار السؤال في ذهنه هل سأتوقف الآن بعد أن قطعت هذا المشوار الجميل في عالم التحدي والكفاح؟
وسجل في الجامعة وهو على مشارف الستين، ولم يعبأ بنظرات السخرية، فالعمر ليس سدا أمام الأحلام، تخرج من الجامعة وأجراس البهجة يتردد صداها الجميل في روحه المتوثبة نحو العلا، وهنا عاود السؤال طرح نفسه هل سأتوقف الآن بعد أن قطعت هذا المشوار الجميل في عالم التحدي والكفاح؟
ولم يتوقف بل أكمل الماجستير والدكتوراه في فقه الحديث وعمره قد تجاوز السبعين، وبدأ مشواره في كتابة المسرحيات والمسلسلات الدينية للإذاعة والتلفزيون.. ولا يزال.
وخزة
حين تؤمن بهدفك فأخرجه لحيز التنفيذ وإلا فسيكون مجرد أمنية حبيسة تثير في نفسك الألم..!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي