سوق الأسهم السعودية .. وهشاشة العظام
لعل أفضل وصف ينطبق على سوق الأسهم السعودية أنها مصابة بمرض هشاشة العظام على الرغم من أن شمس الاقتصاد السعودي قوية مثل شمس بلادنا الحارقة التي لم تفلح في حماية 40 في المائة من سكان هذه البلاد من الإصابة بمرض أصبح من أمراض العصر كما يقال!
وبالرجوع إلى الذاكرة أجد أن خبيرا في الأسواق قدم من لندن وألقى محاضرة في الرياض في أواخر عام 2005م عن أسواق الأسهم العربية وكانت السوق السعودية تقترب من 21 ألف نقطة ويقول المتفائلون والمضاربون إنها ستتخطى 30 ألف نقطة .. ولذا فقد استخف المستمعون للمحاضرة وكنت أحدهم بنصيحة ذلك الخبير بأن على المستثمر في السوق السعودية أن يبادر بالخروج كليا أو جزئياً على الأقل .. ويقول أحدهم إنه وبعد المحاضرة بشهر تقريباً جاء له صديق مضارب يعرض عليه أن يحصلا مناصفة على تسهيلات مصرفية بمبلغ كبير ويتعهد بخبرته في السوق بإدارة المحفظة التي أكد أنها ستحقق أرباحاً قد تصل إلى الضعف بعد عام واحد .. ويتابع: (طلبت أن أعطيه جوابي صباح اليوم التالي واستغرب لأنه ليس من عادتنا أو ثقافتنا تأجيل القرارات الاستثمارية أمام إغراء سوق الأسهم وقفزاته السريعة .. وحينما وضعت رأسي على وسادتي ليلاً فكرت وقلت لنفسي أنا الآن أستثمر في السوق بما لدي من سيولة وأربح وأخسر دون حسرة أو هموم فلماذا أضع في رقبتي حبلاً وأسلمه للمصرف في حالة الخسارة .. وقررت إغلاق باب الطمع الذي انتهى بالكثيرين إلى السجون والأمراض والحسرات فاعتذرت له في اليوم التالي وتحملت أوصافه لي بالخوف والتردد وعدم الشجاعة .. وبعد شهرين فقط أي في شباط (فبراير) عام 2006م وقعت الواقعة فإذا بالأسواق العالمية عموماً والسوق السعودية خاصة تشهد انهيارا لا مثيل له).
والمتابع يلاحظ ما يحدث للسوق السعودية من هبوط كلما حدث هبوط في الأسواق العالمية أو تراجعت أسعار النفط قليلاً بينما تتجاهل هذه السوق أكثر من 15 عنصرا محليا مهما يمكن أن تجعلها أقل تأثرا بالعوامل الخارجية ومن أهمها قوة الاقتصاد السعودي واستمرار الدولة في ضخ المليارات في جميع مفاصل الاقتصاد الوطني.
كما لا بد من التأكيد على أهمية التوعية الغائبة عن المشهد .. فالمتعامل في السوق من الأفراد الذين يشكلون نسبة عالية يحتاج إلى ثقافة استثمارية كي يدرك الفرق بين المستثمر والمضارب وكذلك عوامل الإقدام والأحجام والمأمول من الجهات الرسمية ذات العلاقة وكذلك المصارف والشركات أن تخصص متحدثين باسمها وأن تنظم ورش العمل والمحاضرات وإعطاء المعلومات بشفافية تامة عند حدوث هزات تلحق الضرر بالجميع وخاصة المستثمر الصغير الذي لا يملك أدوات التحليل للوصول إلى القرار الصحيح في الوقت المناسب.
وأخيرا: لن تشفى سوقنا من هشاشة العظام إلا إذا تخلصت من عقدة الارتباط بالعوامل الخارجية بشكل مبالغ فيه واعتمدت أولا مثل بقية أسواق العالم على الاقتصاد الوطني وعوامل القوة فيه .. وأن تقوم صناديق الدولة بدور صانع السوق بحيث تقلل من صدمات الانخفاض والارتفاع غير المبرر بفعل ألاعيب المضاربين .. والمؤمل التعجيل بذلك قبل دخول الأموال الساخنة التي ستزيد من الهزات عند انسحابها السريع.