Author

العمل ومتطلبات الغد

|
عندما تحدثت في مقالي "العودة الى حضن الطفولة" وذكرت أهمية تلك العودة في منتصف العمر للمراجعة وتقويم الأداء وقراءة المستقبل ومتطلباته في خضم التغيرات والتحولات المحلية والإقليمية والعالمية وبحث مختلف الشركاء لإيجاد قنوات لدعم بقاء ونمو مشروعاتهم وصناعاتهم وإيجاد الوسائل الكفيلة لتحقيق الاستدامة في عالم متغير يفرض فيه القوي على الضعيف قوانينه وتوجهاته، وأن مقولة أن العالم تقوده قوى محددة لا تسمح لغيرها بتلك القيادة لم تعد حقيقة مطلقة وإنما الفرصة لكل دولة متمكنة في بنائها الإنساني والمؤسسي والاقتصادي من أن تأخذ دور القيادة أو على أقل تقدير استقلالية قرارها وعدم تبعيتها لأي تحالف يضعف من مكانتها وقدرتها على توجيه متطلباتها نحو ما تريد تحقيقه. إن مفهوم السلطة المطلقة والواحدة لدولة على باقي الدول هو مفهوم زرعته العقول المريضة والضعيفة والخائفه واستثمرته العقول الذكية. ومن قراءة متأنية لكثير من الأحداث السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية فإن واقع الحال يقول إن الفرق بين الدول بعد بنائها البناء القوي المتين من داخلها فإنها تكون قادرة على استثمار واستغلال الأحداث الدولية وتجييرها لمصلحتها مع عدم الممانعة من إرسال رسائل مبطنة أن تلك الأحداث تقودها تلك الدولة أو الدول المستغلة للحدث ويكون الانعكاس الطبيعي في بقية دول القطيع هو الاقتناع بحقيقة أن تلك الدولة هي التي تهيمن على السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية في بقية دول العالم، وأن الخروج عن إرادة تلك الدولة هو إعلان الانتحار وسقوط المخالف سواء كان فردا أو دولة. إن استيعاب الأحداث والمواقف الدولية وتعامل مختلف الأطراف معها يحدد مناطق القوى والضعف، والأكثر جاهزية يكون الأقوى من غيره في استثمار ذلك الحدث أو الموقف، وهنا يجب أن نستوعب أن أي دولة تملك الأدوات الأساسية للقيادة وفي مقدمتها البناء السليم للإنسان وتعزيز الارتباط والقوة الداخلية للدولة ودعم بناء مؤسسات الدولة سواء القطاع الحكومي أو الخاص أو الأكاديمي أو الإعلامي أو مؤسسات المجتمع المدني، فإن الدولة بعد توفيق الله سبحانه وتعالى تكون الأقدر على تحديد دورها ومصيرها وتوجهاتها وكذلك تأثيرها الإيجابي القوي في بقية الدول سواء الواقعة في فلكها المكاني أو الجغرافي أو الاقتصادي أو العسكري أو من هو خارج ذلك الفلك، وكلما كانت الدولة أكثر استقرارا وقوة في داخلها تكون أكثر قدرة على الوقوف في وجه أي تغيرات داخلية أو خارجية. إن قوة الجبهة الداخلية وتماسكها لأي دولة هما السبيل الأقوى لنموها وتطورها واستقرارها، وهذه القوة والتماسك للجبهة الداخلية يتطلبان عديدا من الإجراءات والتوجهات والسياسات التي لا تقبل التهاون فيها أو معها أو تأخيرها أو المماطلة في تحقيقها، لأن أي تأخير أو مماطلة أو عدم فهم لأهمية تلك الإجراءت والتوجهات والسياسات سوف تقود إلى الرغبة الجامحة لدى الآخرين في تحقيق ما يسمونه ويدعون إليه باسم "الفوضى الخلاقة" والتي أسميها "الفوضى الحارقة" لكل أخضر ويابس والتي إذا ضربت فلا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى حجم أضرارها ومدة انتهائها وما تجلبه من دمار وقتل وإبادة للإنسان والحيوان والشجر والحجر. ولعل وصف شاعرنا العربي زهير بن أبي سلمى قبل أكثر من ألف و500 سنة وقبل تطور أسلحة الدمار الشامل خير وصف للحرب عندما قيامها بقوله: وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم.. وما هو عنها بالحديث المرجم متى تبعثوها تبعثوها ذميمة.. وتضرى إذا ضريتموها فتضرم فتعرككم عرك الرحى بثفالها .. وتلقح كشافاً ثم تنتج فتتئم فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم .. كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها .. قرى بالعراق من قفيز ودرهم هذا الوصف الدقيق لحرب الرماح والأسهم والسيوف ينعكس على المجتمع بحرب الصواريخ والراجمات التي أحرقت كل روح بريئة. وما نشاهده اليوم من تدمير وقتل واغتيال في دول الجوار يدعونا نحو العقل البناء الفطين السليم ذي الرؤية والرأي المدرك لأهمية البناء الداخلي السليم والفكر السياسي الخارجي الناضج. بين الداخل والخارج هناك الكثير من المتطلبات والاحتياجات والسياسات والبرامج التي يجب العمل على تحقيقها حتى لا نبكي على اللبن المسكوب كما يقول المثل. ولعلي بعد توفيق الله أتناول بعضا من تلك الرؤى والأفكار والبرامج والتوجهات التي تحقق البناء السليم استنباطا من رحلة العودة إلى حضن الطفولة. وفّق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء وعربي اللسان وإسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
إنشرها