أزمة مسؤولية من جديد

قبل أيام قلائل فجعت جدة بحادث جديد يضاف إلى سجل حوادث الإهمال الأخيرة لبعض الجهات الحكومية. وكأن الإهمال أصبح من أخطر الأمراض المعدية التي تتنقل بين تلك الجهات. هذه المرة طفل يسقط في حفرة للصرف الصحي في حادث تنصلت منه تماما شركة المياه الوطنية وأمانة جدة، محملة بذلك مالك المركز كامل المسؤولية عن الحادث. ولسنا نخلي مسؤولية المالك بأي حال من الأحوال، فهذا مما لا شك فيه أنه من الاستهتار بالناس وسلامتهم. اليوم ونحن نتحدث عن هذا الحادث المؤلم ونحن نوشك على دخول الخطة التنموية العاشرة، وما زالت اللا مسؤولية التي تظهرها بين الحين والآخر بعض الجهات الحكومية، في ظل غياب المساءلة لتلك الجهات من السمات الظاهرة بشكل واضح. وبعد مرور أكثر من 45 عاما على بداية خطط التنمية التي يفترض أنها تؤمن للإنسان الخدمات الأساسية لضمان سبل عيش كريم، بعد كل هذه المجهودات نتساءل، ألا يوجد لدينا حتى الآن مرجع وآلية واضحة للمساءلة تضمن تحديد المسؤولية لتوضيح مكامن التقصير وكذلك اتخاذ الإجراء المناسب للجهة أو الجهات المسؤولة حال وقوع مثل هذه الأخطاء؟ ففي كل مرة تقوم الجهات المختصة بإلقاء اللوم على بعضها البعض، والمواطن في النهاية هو من يدفع الثمن.
من الناحية التشريعية، وبالاستناد إلى نظام البلديات والقرى، (مادة 5) الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/5 في 21/2/1397هـ، الذي يقضي بأن تقوم الأمانة باتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على السلامة، وكذلك بالاستناد إلى المادة التاسعة من نظام مياه الصرف الصحي التي تقضي بأن المفتشين التابعين لمصالح المياه والصرف لهم حق الدخول إلى أي ملكية كانت عامة أو خاصة بغرض التفتيش والمراقبة، فهل يمكن إخلاء مسؤولية الجهتين بشكل كامل في ظل محتوى الأنظمة المذكورة؟ عموما، دون الخوض في المزيد من التفاصيل القانونية التي تحدث عنها بإسهاب العديد من القانونيين، وعلى فرض أن المكان الذي حصل فيه الحادث لا يخضع للإشراف أو الرقابة من قبل الأمانة كما أفادت في تصريحها، ماذا عن الطرق الخطرة التي تفتقر لأدنى معايير السلامة مثل اللوحات الإرشادية عن خطورة المنطقة التي تسببت في العديد من الحوادث الخطيرة وحصدت العديد من الأرواح، حتى تدخل الأمانة في وقت لاحق، أليست الإجراءات الوقائية أولى أن تطبق قبل وقوع ما لا يحمد عقباه؟ وماذا عن آلاف الحفر في شوارع جدة وحواريها؟ وهل نحتاج في كل مرة إلى حادث جلل يستجلب اهتمام الرأي العام كحادث التحلية حتى نلقي الضوء على عمل الأمانة، وجوانب القصور والإهمال في الكثير من الأحيان؟
وبالعودة إلى الحادث، نتساءل لماذا لم تقم أي من الجهات المسؤولة بتطويق المكان أو حتى إغلاق المركز لحين التزام المالك بمعايير الأمن والسلامة، بدلا من إصدار التصاريح التي تخلي فيها كامل مسؤوليتها عن الحادثة؟ وما دامت التحقيقات لا تزال جارية عن الحادث ألم يكن من الأجدر أن تتريث الأمانة إلى أن تنتهي التحقيقات قبل إخلاء مسؤوليتها عن الحادث؟ وبالحديث عن الإهمال، ماذا عن العديد من ضحايا الأخطاء الطبية القاتلة والذين لم نسمع بهم فضلا عن اتخاذ الإجراءات الرادعة في حق الجناة؟ وهل يلزم أن يكون المجني عليه أحد الشخصيات المعروفة على صعيد المجتمع حتى يتم اتخاذ الإجراء الرادع كإغلاق مشفى أو غير ذلك من الإجراءات التأديبية؟
أيها المسؤول الكريم، لقد كان فيمن قبلنا من يخشى تعثر بغلة في منطقة بعيدة، ونحن نشهد وفاة العشرات بسبب أخطاء قاتلة، فاليوم علي وابنه بسبب غطاء حفرة، وقبل سنوات قلائل ميسرة ومسرة بسبب مبيد سام محظور. ورغم التأكيدات العديدة على أن الإنسان هو محور التنمية المنشودة في بلادنا إلا أن تلك الحوادث باتت تشكل مصدر قلق ورعب للناس، فبوفاة علي وابنه - رحمهما الله - تكون عائلة علي قد فقدت المعيل، وتكون البلاد قد فقدت أحد الكوادر الشابة التي كان ينتظر منها الكثير، خصوصا بعد نيل درجة الدكتوراه من الخارج، وكأن الاستثمار الكبير في تعليم علي من قبل الجهة التي يعمل فيها قد ذهب هباء منثورا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي