Author

نظرة لواقع الحال العملي

|
التغير المتسارع في عجلة الإنتاج من جهة والركود الاقتصادي من جهة أخرى والحراك الفوضوي من جهة ثالثة ونمو المجتمع وتطور وتيرة متطلباته وغيرها من المحركات المؤثرة في الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتطلب التغير في أسلوب ومنهج العمل والتقييم والتقويم والإنتاج والكل يعلم أننا في عصر المنافسة في الإنتاج سواءً بين الدول أو المدن أو المؤسسات أو الأفراد، هذا التنافس يحتاج إلى العديد من الشروط المهمة، لعل أهمها رفع الكفاءة الإنتاجية للعناصر البشرية بما يحقق سرعة الإنتاج وتحسينه وتخفيض التكاليف سواء كان المنتج خدمة أو سلعة وتوطين تلك الأنشطة والمنتجات بما يحولها إلى مشاريع إنتاجية. إن عصرنا الحالي ومتطلباته لمختلف القطاعات الإنتاجية سواء كانت حكومية أو خاصة أو أهلية يتطلب إعادة النظر في هيكلية العمل في مختلف القطاعات وإدخال مختلف الأساليب الحديثة لإدارتها وتطويرها. القطاع الحكومي كقطاع قائد للعملية التنموية وفي ظل التطورات العالمية يحتاج إلى إعادة النظر في أدائه وتحسين العمل به وإيجاد المناخ الملائم لتطويره ومراجعة مختلف أنظمته وإجراءاته، ولهذا وجدت العديد من اللجان وفرق العمل للنظر في ذلك ومراجعته، ولعل اللجنة العليا للتنظيم الإداري تأتي على رأس الأجهزة التي عملت في هذا المجال وقدمت العديد من الحلول لإعادة رسم أهدافه والرفع من كفاءته. وانطلاقا من المثل العالمي الذي يقول «أن تضيء شمعة في النفق المظلم خير من أن تلعن الظلام» يجعلنا نضع أمامنا مشكلة تتعلق بواقع العمل في الجهاز الحكومي الذي تحتاج إلى نظرة فاحصة وإيجاد الحلول الجذرية المناسبة لها، وهذا الأمر مثل كرة الثلج الذي بدأ صغيراً وأخذ يكبر مع الأيام بحيث أصبح معضلة تواجه الكثير من الأجهزة الحكومية وتسبب في تعطيل إنجاز العديد من الأعمال وإحباط المجتهدين والراغبين في تحسين بيئة العمل ورفع كفاءته، كما أنها من الجانب الآخر تمثل عبئاً على الموظفين المحتاجين للقيام بذلك الذين يعيشون المعاناة اليومية معها. إن تقييم وتقويم الكفاءة في العمل اليومي في الكثير من الأجهزة الحكومية خصوصاً الخدمية منها يعتمد بشكل أساسي على عاملين هما الالتزام بساعات العمل وإنجاز المعاملات اليومية للمواطنين والمقيمين، وكما هو معروف فإن ساعات العمل اليومية في الأجهزة الحكومية تبدأ من الساعة السابعة والنصف صباحاً وتنتهي الساعة الثانية والنصف ظهراً لمن رحمه ربي، وتتأثر نسبة الإنجاز بالساعات التي يصرفها الموظف في عمله والإقلال من الخروج منه لأسباب عديدة لعل أهمها خروج الموظفين لإيصال أبنائهم من المدارس إلى منازلهم. ما المشكلة هنا؟ .. المشكلة تتمثل في أن أعدادا كبيرة من الموظفين يضطرون لهذا الخروج ويكون غالبا قبل صلاة الظهر أي في حدود الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً مما يجعل الكثير من المكاتب شبه خالية من موظفيها خلال الفترة من الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً وحتى نهاية الدوام. لم يعد الخروج فقط لنصف ساعة أو ساعة كما كان يحدث في الماضي .. بل إن الواقع يقول إن نسبة كبيرة من الموظفين لا تستطيع العودة للعمل لعدة أسباب منها ازدحام الطرق وتباعد المسافات خصوصا في المدن الرئيسة. دعونا نأخذ رحلة أحد الزملاء الذين يعيشون هذه المعاناة، يبدأ يومه قبل الساعة السادسة صباحا حيث يأخذ أبناءه الصغار الذين هم دون سن التعليم إلى إحدى الجدتين إن كانتا موجودتين، ثم يوصل زوجته لعملها ثم الأبناء والبنات إلى مدارسهم، هذه الرحلة في الأغلب تستنزف الكثير من الجهد والوقت خصوصا إذا عرفنا المراحل المختلفة لمثل هذه الرحلة التي تبدأ بالصراخ في الأبناء والبنات للاستيقاظ والصلاة والإفطار وما يصاحبه من تأخر الزوجة في تجهيز نفسها للخروج وربما معاناة الزوجة أيضا في إيقاظ زوجها إلى آخره، ثم الخلافات والخناقات بين الأبناء في السيارة واستمرار الصراخ المتبادل بينهم وبين والدهم ووالدتهم، والتضجر من أسلوب قيادة السيارات في الطرق وكثرة الحوادث والسرعة والازدحامات في كل مكان، وما يصاحب إنزال الأطفال والزوجة في مواقعهم من مشكلات من الآخرين ثم ذهاب الزوج إلى العمل بعد كل هذه المعاناة .. والسؤال ماذا نتوقع من عطاء لمثل هذا الموظف؟ إن مثل هذا الموظف يعرف أن هذه هي رحلة الصباح ومثلها رحلة الظهر من إعادة تجميع الأبناء والبنات والزوجة، ولهذا فإننا نجد الأغلب من مثل هؤلاء الموظفين لا يمكن الاستفادة منهم لأسباب عديدة أيضا لعل من أهمها أنه لا يرغب في أي عمل يتطلب الالتزام بالوجود في المكتب أو المشاركة في أي عمل جماعي يتطلب الالتزام بالوقت، مثل هذا الموظف قمة طموحه ألا يلتفت إليه أي مسؤول ويكلفه بأي عمل ولهذا فإننا نخسر كل يوم الآلاف من ساعات العمل ونضعف الإنجاز بسبب مثل هذه المشكلة. وهنا نسوق سؤالاً آخر ذا أهمية هو ما التوقعات لواقع المشكلة خصوصا الخروج المبكر من العمل؟ .. إن الإجابة بكل بساطة أن هذه المشكلة تزداد سوءاً وتعقيدا بسبب ازدياد حجم المدن واتساع رقعتها وصعوبة التنقل بين أطرافها وعلى طرقاتها، لأن أقل مدة يحتاج إليها الموظف لإيصال أبنائه وبناته والعودة للعمل لن تقل عن الساعتين وبالتالي مهما كان الموظف مخلصا وأمينا فإنه لا يستطيع العودة إلى عمله إذا خرج مع صلاة الظهر، كما أن هناك العديد من الموظفين الذين لا أبناء أو بنات لهم أخذوا يخرجون من أعمالهم تقليدا سيئا لزملائهم. حقيقة أن بعض الموظفين، وحلا لمشكلاتهم، لجأوا لاستقدام السائقين وربما بزوجاتهم أو استئجار سيارات للقيام نيابة عنهم بهذه المهمة .. إلا أن المعاناة اليومية من مشكلات تأخر وقلق وزيادة الأعباء المالية مع انخفاض دخول العديد منهم تدفع مثل هذه الحلول إلى الزوال مما يتطلب البحث عن حلول جذرية لمثل هذه المشكلة. لنسأل أنفسنا هنا .. إذا كنا نريد تحقيق الكفاءة والفاعلية وحسن الإنجاز في الأجهزة الحكومية، وفي الوقت نفسه نعلم ونعرف واقع ومعاناة الكثير من الموظفين بسبب هذه المشكلة .. فما الحل أو الحلول التي يمكن تقديمها لمعالجة هذه المشكلة؟ لا شك أن إيجاد حل متكامل في ظل ظروفنا الاجتماعية والعائلية لهذه المشكلة ليس بالأمر الهين، ولكن كما يقال "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، ولهذا دعونا نفكر جميعا في تقديم الحلول التي يمكن من خلالها معالجة المشكلة مع معرفتي بمشكلات عديدة في الأجهزة الحكومية إلا أن هذه المشكلة تمثل خللا خطير يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في الرفع من مستوى الأداء والإنجاز في إداراتنا الحكومية، ومن تلك الحلول التي يمكن مناقشتها لاختيار أفضلها أن ترفع عدد ساعات الدراسة بحيث يتزامن خروج الطلاب مع الموظفين ويستفاد من عدد الساعات الإضافية بما يعود بالنفع على الطلاب، ومن البدائل أيضا أن يعوض الموظف نقص ساعات العمل بالعمل في الفترة المسائية أو يوم الخميس أو أن تربط ساعات العمل بالراتب ويستفاد من فرق الراتب لتعيين موظفين آخرين أو إنقاص ساعات العمل الحكومي بما يتفق مع مواعيد المدارس، أو أن تمدد ساعات العمل بعد الساعة الثانية والنصف لمن يضطر للخروج المبكر وغيرها من الحلول الكثيرة.
إنشرها