التطوع من أجل حماية الوطن
في عام 1990 إثر اجتياح صدام حسين الكويت، قامت وزارة الدفاع والطيران آنذاك باتخاذ الخطوات الجبارة في رفع درجة الاستعداد إلى حالة الصفر للدفاع عن الوطن.
وصدرت التوجيهات بإنشاء إدارة تسمى "الإعلام الحربي" وأهم مركز أٌفتتح في تلك السنة هو المركز الإعلامي الحربي في فندق مطار الظهران، وكان لي الشرف أن أكون أحد العاملين في ذلك المركز مع بقية زملائي موظفي وزارة الإعلام آنذاك، حيث ارتدينا جميعنا الزي العسكري وأصبحنا جنبا إلى جنب مع إخواننا أفراد القوات المسلحة.
في ذلك العام صدرت أيضا توجيهات المغفور له ـــ بإذن الله ـــ الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران آنذاك بافتتاح باب التطوع للمواطنين وبالفعل هب جميع السعوديين من جميع الأعمار طلابا وموظفين ومسؤولين وأساتذة جامعات للانخراط في مراكز التدريب وارتداء الزي العسكري، وكنت واحدا منهم.
هؤلاء السعوديون الذين انخرطوا طواعية حبا في الذود والدفاع عن وطنهم الغالي، ولم تقتصر جهات التطوع على الرجال، بل حتى النساء انخرطن في التدريب على أعمال الإسعافات الأولية والمستشفيات والقطاعات الطبية والتمريض، وكانت ملحمة سعودية ليقفن مع بقية إخوانهن في جبهة القتال.
كنت واحدا ممن شاركوا في هذه الحرب من أولها حتى انتهت بدحر العدو.
في صبيحة أحد الأيام أخبرني زميلي الدكتور جاسم الياقوت، وكان مديرا للمركز الإعلامي الحربي في ذلك الوقت، أنني سأقود فريقا كاملا من الإعلاميين الأجانب من مختلف وسائل الإعلام والصحافة الأجنبية إلى مواقع القتال. وبالفعل في الصباح الباكر ارتديت بدلتي العسكرية، وقبل التوجه إلى الطائرة التي أقلتنا من مطار الظهران "القاعدة العسكرية" إلى مطار رأس مشعاب، قمت بتسليم أخي وصديقي الدكتور جاسم الياقوت مظروفا بداخله ورقة صغيرة وطلبت منه في حالة عدم عودتي تسليمها لزوجتي،
كتبت فيها: إنني أغادر إلى أرض المعركة وإذا قدر لي واستشهدت أخبري ابني "عبد المحسن"، وكان عمره آنذاك ثلاث سنوات بأن والدك أُستشهد في المعركة دفاعا عن الوطن، ووصيتي أن يكون ابني ضابطا في القوات المسلحة ليكون خلفا لي وهذه رغبتي أٌحملك إياها.
وغادرت مع الوفد الإعلامي إلى أرض المعركة وهناك شاءت الأقدار أن أتعرض للاغتيال ولكن الله سلّم، وعدت وأعطاني ربي العمر كي أرى ابني وهو يحقق أمنيتي ويصبح ضابطا في القوات المسلحة وأنا حي أٌرزق ولله الحمد.
اليوم ونحن نمر بأيام عصيبة عدونا ليس واحدا قادما من العراق، ولكن أعداءنا كثيرون، فمن الجهة الجنوبية يكاد الحوثيون يطبقون على كامل اليمن وفي الشرق، ومطامع إيران في الخليج، وفي الشمال المنظمات الإرهابية من داعش والقاعدة وغيرها.
نحن اليوم نكاد نكون بين فكي كماشة إذا لابد من أن يُفتح باب الانخراط في التطوع العسكري كما فُتح أيام حرب الخليج الثانية وليكن المواطن السعودي جنبا إلى جنب مع بقية أفراد قواتنا المسلحة والأمن العام وحرس الحدود إذا دعت الحاجة ـــ لا سمح الله.
إن كثيرا ممن يُسمون أنفسهم "الدواعش السعوديون" المختبئون في القرى والهجر الذين لا يخفون مخططاتهم الإجرامية الدموية والإرهابية في حق الوطن، يريدون اللحظة المناسبة للانقضاض على الوطن ومقدراته من الداخل.
ولتكن مهام المتطوعين هي مساندة قوات الأمن الداخلي في تحقيق وضبط الأمن وكذلك العمل في مراكز التفتيش عن المطلوبين والهاربين وكذلك مع إخوانهم في المراكز الصحية والإسعافات.
لقد كانت فكرة التطوع بالنسبة لي الآن وأنا أحكيها لأبنائي شيئا مهما هو "الوطن غالي" وإذا كان عام 1990 سنة هب فيها المواطنون رغم أن الإعلام كان مداه قصيرا، أما اليوم مع التطور الإعلامي وانبعاث الأثير عبر آفاق السماء فلن يمتنع أحد صغيرا أو كبيرا ذكرا أم أنثى من تقديم نفسه وتطويعها فداء للوطن.
نقطة أخيرة:
حينما أنظر إلى صوري وزملائي ونحن بالزي العسكري أبتسم في وجه الصورة وأقول "فداء لترابك يا وطن".