لو خسرت ثروتي في سوق الأسهم كيف أستردها؟

وجدت في بريدي رسالة تقول لو خسرت في سوق الأسهم مليونا ولم يبق لي سوى 50 ألفا ماذا أفعل كي أسترد رأس مالي؟ إنه سؤال صعب جدا لا أخفي عليكم لو كنت أعرف الإجابة الصحيحة والدقيقة التي تضمن عودة المليون فورا ما أخبرت بها أحدا ذلك إنني سأستثمر 50 ألفا الآن حتى تصبح مليونا. عندما تضع أموالك في سوق الأسهم وفي شركة خاسرة وتعلم أنها خاسرة ثم تبدأ المقامرة حتى تصبح أوراقك كلها سيئة مع إعلان هيئة السوق المالية عن تعليق التداول بالسهم، وقد أصبحت تملك 50 ألف ريال فقط ولا تستطيع حتى استردادها ثم تريدها أن تصبح مليونا مرة أخرى وبسرعة، فإنك تحتاج إلى نبي ومعجزة، وليس متخصصا في الاقتصاد والمحاسبة.
سوق الأسهم لم تبن من أجل المقامرة بل بنيت منذ الأساس من أجل تأسيس الشركات العملاقة التي تنفذ مشاريع ضخمة وتتطلب رؤوس أموال كبيرة وتحتاج إلى فترة حتى تبدأ في صرف الأرباح، رؤوس أموال لا يستطيع رجل أعمال أو عدة رجال أعمال تحمل مخاطر إنفاقها وحدهم نظرا لضخامة المشروع وللمدة الطويلة حتى يتم استرداد رأس المال خلالها، لذلك جاءت فكرة فتح المشروع للمساهمة فيه، ثم بدأت فكرة الخروج من الشركة قبل تصفيتها أو حتى الحصول على أي ربح من خلال بيع السهم في السوق. الأصل أن يتحدد السعر من خلال آليات العرض والطلب ويتم بيع الأصول الحالية والأرباح المستقبلية المتوقعة، حيث إن البائع سيتنازل عنها، لذلك يرتفع سعر السهم قبل إعلان الجمعية العمومية توزيعات أرباح، وينخفض بعدها؛ ذلك أن البيع قبلها يتضمن قيمة التوزيعات من الأرباح، بينما البيع بعدها لا يتضمنها. هذه الآلية تدل بشكل واضح على أمور عدة أولها أن الأساس هو بيع وشراء مستقبل السهم من حيث رصيده من الأصول والأرباح المتوقعة في المستقبل. ثانيا أن من حق كل إنسان في سوق الأسهم ومعه أسهم أن يعرضها طالما الشركة قائمة ولها مستقبل حتى لو كان هذا المستقبل غامضا أو فاشلا، هناك عرض وطلب لكل شيء. ثالثا، لا يحق منع أي أحد ــ وفقا للأنظمة ــ من البيع والشراء في السوق بحجة الخوف عليه. لا وصاية على أحد في السوق، يجب على المنظمين للسوق عدم التدخل في آليات العرض والطلب بأي شكل، عليهم فقط ضمان تدفق معلومات صحيحة إلى السوق وأن تكون هذه المعلومات متداولة بشكل متساو بين جميع الأطراف، وأن تكون تكلفة تلك المعلومات واحدة بين الجميع.
قلنا هذا من سنوات عدة وأنا شخصيا طالبت بضرورة رفع الوصاية عن السوق، وعدم التدخل في الآليات إلا من خلال تقسيم السوق وفقا لمستويات المخاطر فيه، حيث إن الحاجة واضحة إلى أن يفهم المضاربون مستويات المخاطر التي يعملون فيها، فوضع جميع الشركات في سوق واحدة تسبب في تضليل الناس ولفترة طويلة، لقد ظن الناس أن الشركات المساهمة لا تخسر ولا تخرج من السوق، ولهم الحق في ذلك فقد تعلموا أن إنشاء شركة مساهمة في المملكة هو أمر صعب ويتطلب قرارا من مجلس الوزراء، لذلك لديهم قناعة لا مبرر لها أن الدولة ستتدخل لمنع أي شركة مساهمة من الإفلاس، هذا جعلهم يقيمون أي شركة خاسرة تقف على رأسها إدارة سيئة كما يقيمون أي شركة عملاقة ذات عوائد وإدارة محترفة بسمعة كبيرة، لا فرق بينهما فكلاهما في سوق واحدة وكلاهما تربح إذا ارتفع مؤشر السوق وكلاهما تتراجع مع السوق، بل إن الخاسرة تغرد بأسعار خيالية إذا ارتفع المؤشر أحيانا، فالمخاطر غير مفهومة في السوق حتى ظهرت لنا تجربة "بيشة" التي لم تزل معلقة إلى اليوم، ولحقتها "المعجل" والآن "وقاية للتأمين"، وتعلم الناس أنهم فجأة وبلا سابق إنذار قد يخسرون كل أموالهم. تأخرت السوق المالية في تمييز الشركات عن بعضها، ومع ذلك فإن خطوة تقسيم الشركات وتمييزها ممتازة ولو تأخرت. لقد فهم الكثير اليوم معنى المخاطر بعد الرموز التي وضعتها "تداول" في موقعها أمام كل شركة وبعد أن عدلت من فترة المقاصة وفهموا أن الشركات ليست مثل بعضها وأن الموضوع لم يعد يحتمل المقامرة مرة أخرى.
لكن الأكثر تميزا هو العودة للمسار الصحيح، حيث يمكن لأي طرف بيع وشراء الأسهم حتى في الشركات المعلقة، ولكن خارج السوق. لم توضح الهيئة حتى الآن آليات البيع والشراء خارج السوق، وهل ستعلن عن منصة للتداول جديدة لهذه الشركات أم أنها ستجبرها على العودة إلى البيع من خلال مقاصة المصارف، من المهم إعلان هذه الآلية بكل وضوح وشفافية وأن تضمن الهيئة الحق لكل مساهم بالبيع حتى لو كان لديه سهم واحد فقط فهذا حقه حتى تعلن الشركة الإفلاس والتصفية.
وبالعودة للسؤال الصعب حول إعادة الأموال الضائعة في السوق، أقول لكل من خسر أسهمه في شركة معلقة أو اقتربت من ذلك، استرد أموالك منها، هذه هي الخطوة الأولى الصحيحة، ثم الأفضل لك أن تضعها في صندوق متخصص، أو تشتري في صناديق المؤشرات أو تتابع الشركات التي تطرح أسهمها لأول مرة (اكتتابات أولية)، ثم استثمر فيها من جديد، الاستثمارات الجديدة لها مستقبل كبير يمكن بيعه والمضاربة فيه في السوق، المهم أن تكون سمعة الإدارة جيدة. لا تتوقع أن تسترد أموالك بين يوم وليلة لكن عليك بالصبر، قد تحتاج إلى وقت ولكن عليك أن تحاول العودة والقيام من جديد، وعوض الله عليك ما فات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي