إسرائيل .. تتحدث عن السلام وتعمل للحرب

يحكى أن حملا كان يشرب في أسفل مجرى ماء وذئبا يشرب في أعلاه، قال الذئب للحمل: سآكلك لأنك لوثت الماء علي فرد الحمل: كيف ألوثه وأنا في الأسفل وأنت في الأعلى؟ قال الذئب: إن لم يكن هذا العام فالعام الذي قبله، فرد الحمل كيف ذاك وأنا حمل لم أكن ولدت بعد؟ فقال الذئب: إن لم تكن أنت فوالدك أو جدك. المقصود من القصة أن الذئب يبحث عن حجة لأكل الحمل وهذا تماما ما تفعله إسرائيل في تعاملها مع الفلسطينيين. عندما تتحدث عن السلام تضع شروطا تعجيزية غير منطقية وغير مقبولة تسلب الفلسطينيين إرادتهم وحريتهم واستقلاليتهم ومقدساتهم وكرامتهم حتى لا يبقى شيء يعيشون من أجله، ومن ثم تطلب منهم الإذعان لها لتصيرهم عبيدا لإجراءاتها الأمنية الاستفزازية اليومية. وتبني حائطا ضخما يجسد الفصل العنصري والكراهية والدفع نحو تأجيج الصراع. ومع هذا التعنت والتجبر والإجحاف الإسرائيلي لم يتوان العرب من الهرولة نحو السلام الوهمي وتوقيع اتفاقات دولية خالفتها إسرائيل قبل أن يجف حبرها. فقد قدم العرب أراضيهم التي سلبت ظلما وعدوانا قربانا من أجل السلام المزعوم فرفعوا شعار "الأرض مقابل السلام" ففقدوا الأرض ولم يتحقق السلام، وأصبحت إسرائيل تتلاعب وتماطل وتختلق الحجج لنكث العهود والمواثيق. فاتفاقات السلام مع الفلسطينيين ومصر والأردن أثبتت فشلها بالنسبة للعرب فقد خسروا وربحت إسرائيل. لقد انتزعت إسرائيل اعتراف العرب بوجودها وإنهاء حالة العداء من جانب واحد فجعلت العرب يمنون النفس بالسلام ويعملون من أجله بينما هي تعمل من أجل الحرب وإضعاف عزيمة العرب حتى أصبح الجهاد ضد المحتل إرهابا. وربما تكون استكانة العرب وتراخيهم أحد أهم أسباب تمادي إسرائيل في عدوانها. فقد ألزم العرب وقيدوا أنفسهم باتفاقات سلام متفرقة وهمية قصدت منها إسرائيل تحييد وتقييد وزيادة فرقة الدول العربية. وهذا حق مشروع لإسرائيل كعدو لكن من غير المنطقي أن يصطف العرب في طابور انتظار السلام الذي لم ولن تأذن به إسرائيل، فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة حقيقة لم يدركها العرب بعد،
والحقيقة أن سيطرة إسرائيل وغطرستها لم تكن لولا ضعف العرب وتشرذمهم. ومن الخطأ الاستمرار في فهم الصراع العربي الإسرائيلي بالتركيز على قوة إسرائيل فقط دون النظر إلى ضعف العرب وأسبابه. ومن أهم أسباب فرقة العرب أنهم تخلوا عن الهوية الإسلامية وقيمهم الحضارية واستبدلوها بالقومية العربية التي لم تكن إلا مشروعا رجعيا سموها خداعا وتزييفا تقدمية، وجاء العسكر على دباباتهم فهشموا كل القيم وجعلوا أعزة أهلها أذلة وسلبوا الناس حريتهم وكرامتهم تحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" فتمادوا في طغيانهم وتلبسهم شعور العظمة فتوعدوا إسرائيل برميها بالبحر كل ذلك الخداع انكشف وتلاشى في حرب 67 التي لم تدم إلا سويعات وإمعانا في خداع الأمة سموا تلك الهزيمة تلطيفا النكسة، وسبب هذه الهزيمة النكراء أن النظم العسكرية القومية راحت تصنف العرب بين تقدميين ممن يمشون بركبها والرجعيين الذين تمسكوا بتطبيق شرع الله والقيم العربية الأصيلة. لم يكتفوا بذلك بل فرضوا أجندتهم ومشروعهم التقدمي المزعوم على باقي الدول العربية فعززت الفرقة وأنشأت لحقبة من الصراع العربي العربي كما في حرب اليمن والتدخل السافر في تغيير نظامها. لقد كانت نظرة أولئك القوميين لغيرهم نظرة دونية واعتقدوا أن من المفترض أن يسير الجميع خلفهم وهو افتراض أثبت خطأه. فشرط الاجتماع العمل المشترك والتكامل والعلاقة الندية والاعتراف بقيمة الآخر. لقد هدأت حدة الظاهرة الصوتية والضجيج الإعلامي بعد هزيمة 67 وفهموا الدرس وعلموا أن قوة العرب بتعاونهم وباحترام خصوصية كل دولة، وهذا ما أثبته انتصار حرب رمضان 73 ومن ثم جاءت النكسة الثانية عندما تخلى العرب عن انتصارهم وبحثوا في السلام مع إسرائيل. لقد كانت الدعوة للسلام مفاجأة سارة لإسرائيل لم يتوقعها أكثر المتفائلين الإسرائيليين. معاهدة السلام نقلت الدول العربية من النقيض إلى النقيض من حالة العداء إلى حالة الصداقة والتعاون مع إسرائيل، ما أفرز حالة من الفوضى الثقافية وعدم الاتزان في المجتمعات العربية، وما نشهده من تطرف هو إفراز لهذا الاختلال وتوسيع الفجوة بين أصحاب القرار والعموم. فهذه المعاهدات الاستسلامية لم تمنح إسرائيل فقط الاعتراف وتعزيز وجودها الدولي، ولكن منحت أيضا دولا توسعية مثل إيران الفرصة للعب دور أكبر ومؤثر في المنطقة باسم تحرير القدس ورفع شعار المقاومة حتى وإن كان ذلك على مستوى الاستهلاك الإعلامي ومنطقية الطرح مع وقف التنفيذ، إلا أنه لقي قبولا ورواجا لدى الرأي العام العربي. هكذا يتضح أن اتفاقات السلام كانت لصالح إسرائيل وحليفتها إيران فالأحداث المتوالية التي تلت تلك الاتفاقات تكشف عن ذلك. فإيران أهديت العراق على طبق من ذهب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والتي لم تكن لتجرأ فعل ذلك لولا موافقة إسرائيل. فقوة إيران يعني مشاغلة العرب من الشرق، فإيران نسخة طبق الأصل من إسرائيل. ويفصح المشهد في المنطقة عن حقيقة مفادها أن إيران الآن تقوم بالأعمال القذرة لحساب إسرائيل. فهاهي تدك المقاومة في سورية والعراق بعدما كانت تدعي أن نظامها الطائفي جاء ليحرر الناس من الطواغيت وأنها تقف ندا للشيطان الأكبر (الولايات المتحدة) وهي تنام معه على سرير واحد، تأجيج الصراع في المنطقة من قبل إسرائيل وإيران ينطلق من ثقافة كراهية وبغض العرب ورغبتهما في إبادتهم عن وجه البسيطة. وهذا ما يجعل من الصعب عقد سلام مع من يفرض الاستسلام، فالتحكم والسيطرة لا تعني بالضرورة احتلال مزيد من الأراضي وإنما فرض حالة من الاستسلام ومن ثم تسيير الأمور في المنطقة حسب مقتضيات مصالحها. هكذا نجد إسرائيل تتحدث عن السلام ولكن تعمل من أجل الحرب وتدفع المنطقة في صراعات وتعزز حالة اللاحرب واللاسلم. إسرائيل ترى العرب أعداء وتعمل من أجل إضعافهم والسيطرة عليهم ومن الخطأ والخطر أن نراها صديقة، إسرائيل عدو لأنها ببساطة مازالت تحتل أراضي العرب وهي تثبت عداءها كل يوم بتصرفاتها الهمجية والعنصرية، وما الهجمة الشرسة التي تشنها على سكان غزة بعد حصارها وتجويع وإرهاب أهلها لسنوات إلا دليلا على ذلك. فسبب المقاومة الاحتلال وليس العكس، والرسالة التي على العرب وعيها وفهمها هي أن إسرائيل لا تريد السلام، والسلام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي