«خنمبلة» ويوسف

يكون الفن في أجل وأجمل صوره حين يعكس الواقع كما هو دون تزييف، فيكون مرآة حقيقية "منصفة" لا تزيف ولا تجمل.
لا يحشد بقدر ما يحفز على التفكير ويدعو إليه ويترك نتائجه على المتلقي دون وصاية وبكل احترام للمتلقي.
في برامج اليوتيوب السعودية أصبح لكل برنامج فيها وجهة وأسلوب في الفن وعرض الفكرة، هناك من ركز نقده فقط على الجهات الحكومية راقصا بجدارة على تصفيق الجماهير العريضة، وهناك من ركز فقط على نقد المجتمع.
الفن والإبداع كان مع أولئك الذين لديهم الشجاعة الكافية ليخدموا الفكرة أولا فتكون الفكرة قبل الوجهة، لذا تجدهم ينتقدون الاتجاهين بفن، الأداء الحكومي حينا والمجتمع حينا آخر بحسب ما يطرح.
"خنمبلة" أنموذج رائد ورائع للفن والإبداع لأجل الفن، يعمل بمهارة لخدمة فكرته دون "تقييد" لوجهتها يمتلئ بها فيطلقها ويراها الناس ليفكروا قبل أن يصفقوا.
شركة موبايلي أطلقت سلسلة مشاهد للشاب يوسف الدخيل الذي حمل نفسه وسافر للبرازيل بكاميرا ومايكروفون لحضور مباريات كأس العالم، وصل عدد المشاهدات لمقاطع يوسف ثلاثة ملايين مشاهدة، البساطة والتلقائية كانت أساس نجاحه، وضع يوسف بعض المفارقات الثقافية بين الشعب السعودي والشعب البرازيلي أو العالمي بشكل عام بطريقة كوميدية ظريفة. الأبرز في ذلك الظهور كان تعميق "الانتماء" لثقافتنا وطقوسنا السعودية، فمن ركوبه الطيارة وحلمه بتأهل المنتخب السعودي مرورا بتعريفه للبرازيليين باللبس السعودي و"تشخيصات" السعوديين ومناسباتها المختلفة، ثم "سؤالهم عن أسامي أمهاتهم"! وسؤاله للجماهير عن هدف سعيد العويران في عام 1994 في كأس العالم ليتلقى الإجابات المتنوعة، منهم من يجهل ذلك الهدف ومنهم من يذكره. ورغم ضحالة معلوماتي الكروية تابعت بحماس إجابات من يسألهم عن ذلك الهدف! أحد البرازيليين تذكر ذلك الهدف وقال له: إنه توقع بعدها الكثير من منتخبنا السعودي.
لم يكتف يوسف بالسؤال عن ذلك الهدف التاريخي ، أخذ مرة الدلة العربية وبدأ بصبها للناس في الشارع! متلقيا مختلف ردات الفعل وموجها فكرته وكلامه لنا فقط، فنحن المعنيون بذلك كله، الكثير لم يتقبل تلك القهوة، ولا ألومهم، يبدو أن فريق العمل كان مستعجلا فأخذوا قهوة باردة فاتحة بدون حمس وبدون تمر أو حلا!
كان من المفترض أن يحتفوا بها أكثر فهي "أيقونة" ثقافتنا، لذا لا يليق بها حين ننقلها إلى ثقافة أخرى إلا أن تكون كما هي طيبة لذيذة، ولو فعلوا ذلك لأعجبت الجميع بدلا من كونها لم تعجب أحدا منهم إلا مراهقا واحدا.
لكن لأن المَشاهد لم تستهدف إلا المشاهد السعودي وإضحاكه فكان ما كان.
وُفقت شركة موبايلي في "مشاهد يوسف" في تعميق الهوية الوطنية والاعتزاز بها، كما يفعل الفن دائما ببساطة وفن! فشكرا لها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي