Author

هل نقيس فقط أم نقيس ونقوّم؟

|
في السادس عشر من شهر رجب المحرم لعام 1435هـ وقع وزير التعليم العالي مع رئيس المركز الوطني للقياس والتقويم مبادرة المشروع الوطني لقياس مخرجات التعليم العالي في مرحلته الثانية، وذلك تنفيذاً للأوامر الملكية الصادرة بتاريخ 2/7/1435هـ المتعلقة بمعالجة أوضاع خريجي الجامعات السعودية، ولعله من المناسب الوقوف عند هذه الاتفاقية بهدف إلقاء الضوء عليها بما يدعمها ويوجهها الوجهة السليمة لتحقق أهدافها. الأمر الملكي حين يؤكّد على معالجة أوضاع الخريجين، فهذا إثبات لوجود مشكلات لدى الخريجين لم تتمكن الجامعات من تلافيها ولا معالجتها فيما بعد من خلال برامجها وأنشطتها التي تستهدف بها الطلاب. ما المخرجات المتوقعة؟ هل هي معرفة، أم مهارات، أم خصائص شخصية واتجاهات وميول، أم كل هذه مجتمعة؟ لا أعتقد، بل بصورة جازمة، أن النواتج مقتصرة على المعرفة، والمهارة كما ورد في الخبر، وبصورة متكررة، بل إنها تتعداها لتغوص في أعماق شخصية الخريج في طريقة تفكيره وسمات شخصيته، واختياراته وميوله المهنية، إضافة إلى اتجاهاته نحو بيئته ومجتمعه بمكوناته وعناصره كافة. وبهدف وضوح الصورة لا بد من الإجابة عن سؤال: هل خريج الجامعات السعودية قادر على المنافسة في سوق العمل المحلية، ولا نقول في سوق العمل الإقليمية أو العالمية؟! واقع سوق العمل يثبت بالأرقام عدم قدرة الخريج على المنافسة إلا ما ندر، فسوق العمل المليئة بالكفاءات الوافدة من الأوطان كافة يشهد بذلك، إذ إن الإعداد، وكذلك كفاءة الأداء يشيران إلى وجود خلل في برامج الإعداد في الجامعات. الخبر كما ورد أكّد على إيجاد الاختبارات التي تكشف كفاءة مؤسسات التعليم العالي، لكن الكفاءة لا يكفي قياسها إذ يجب إخضاع النتائج لعملية تقويم، وفرق بين القياس والتقويم، إذ إن القياس يعطي بيانات، لكن الحكم على البيانات من حيث جودتها وضعفها والإيجابيات والسلبيات فيها من مهمات التقويم، على أن التقويم يستلزم الانطلاق من محكات ومعايير تقارن بها النتائج التي توصل إليها من خلال الاختبارات والمقاييس. المحكات قد تكون محلية أو عالمية، أو قد تكون مزيجاً بين الاثنين، علماً بأن المحكات العالمية غالباً قد تكون أقوى وتمثِّل تحدياً للمؤسسات الوطنية، ذلك أنها اشتقت وطورت بناء على خبرات متراكمة، ومقارنات بين الأداء الفعلي الذي يظهره الخريج، والأداء المفترض ليمثِّل لنا الفرق والهوة التي يجب ردمها وذلك بإعادة النظر في البرامج والأنشطة المقدمة. في دراسة تقويمية لكلية اللغات والترجمة في جامعة الملك سعود تبين لنا نحن فريق الدراسة أن من أهم المؤشرات على جودة مخرجات الكلية رضا الجهات الموظفة عن أدائهم في الترجمة، إذ كشفت الدراسة أن خريجي الكلية لديهم ضعف في الترجمة الفورية التي تتطلب أداءً شفهياً وسرعة، في حين أنهم أحسن حالاً في الترجمة المكتوبة، علماً بأن أداءهم في اختبارات اللغة المقننة، التي تشمل كل اللغات المدرسة كان ضعيفاً. إذا ما أردنا الكشف عن مكامن الخلل في منظومة التعليم العالي التي انعكست آثارها على المخرجات واستوجبت صدور أمر ملكي بشأنها لا بد من الأخذ بمفهوم التقويم الشمولي للمخرجات ولواقع المؤسسات التي تخرج فيها الطلاب في إمكاناتها وبيئاتها والكفاءات المتوافرة لها وبرامجها وخططها، إضافة إلى التقويم الشامل للمخرج من الجوانب كافة.
إنشرها