«نزاهة» تطارد

تشارك "نزاهة" أكثر من عشر جهات رقابية على الأداء الحكومي، وقد يكون هذا سبباً فيما نشاهده من تناقض بين المفروض والواقع. كل الجهات الرقابية لا تؤدي دورها بالشكل المطلوب، وهو ما أسهم في ظهور كم كبير من المخالفات التي أصبحت عُرْفا في كثير من الجهات الحكومية.
نرى مخالفات التعيين والترقيات والاختيار للدورات والتدريب وعدم ملاءمة المرشحين للمناصب، والمشاريع المتعثرة والمخططات المنهوبة والصكوك المضروبة والشهادات العلمية المكذوبة، نعيش تأخير المعاملات والورق الذي ينتشر في المكاتب بعد مرور أكثر من 15 عاما من اعتماد التعاملات الإلكترونية.
جامعات لا يداوم أساتذتها وتعتمد على أجانب يستميلهم الطلبة بالتذاكر والواسطات والرشا، طرق معيبة وارتفاع في معدلات الجريمة، أثرياء رواتبهم لا تتجاوز أربعة أرقام، وآخرون يعيشون الكفاف على رواتب أعلى بكثير. يوجد مخلصون كثيرون، لكن هذا يحكمه الوازع الذاتي وليس تطبيق الأنظمة والقوانين التي تعج بها الأدراج.
عندما تقرر "نزاهة" أن تطارد ذوي الثراء المشبوه فهي تقرر أن تطارد أغلبية موظفي الدولة، فمن يشغل المرتبة الخامسة عشرة يحصل على راتب بالكاد يغطي التزاماته من فواتير ورواتب الخادمة والسائق ورسوم المدارس الخاصة ومصروف الزوجة والأبناء وقروض البناء وغيرها.
إن كان هذا الموظف يملك منزله فهو محمي من الملاحقة، لأنه إن امتلك أكثر من ذلك فهو تحت طائلة "من أين لك هذا"، وهو يصرف أكثر من 90 في المائة من راتبه على تلك الالتزامات. إذاً فكيف بأولئك الستة آلاف الذين ثبت أنهم لصوص أراض يعيشون بيننا ونعرفهم ونتقرب إليهم؟ وكيف بمن يملك المؤسسات والمحال التجارية والورش والعمائر السكنية.
كيف ستتعامل الهيئة مع من يسكنون المرافق الحكومية، ومن يتصرفون في المال العام لأغراضهم الشخصية، ومن يشغِّلون عمالة القطاع في بيوتهم ومزارعهم ومحالهم التجارية، ومن يتبجحون ببناء المساجد والجوامع الفارهة ورواتبهم في عام لا تغطي تكاليف صيانة المسجد لشهر واحد فقط.
لاحظت أن تصريح الهيئة الأخير يتوعد بمطاردة اللصوص، لكنه يشترط توقيع إبراء الذمة المالية، وهو أمر مطلوب لكنه لم ينفذ لأسباب غير مفهومة، فلماذا لا نبدأ بإلزام الجميع بإبراء الذمة المالية قبل المطاردة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي