كوكب الأرض .. بين التعمير والتدمير
تقترب الهيئة الدولية للمناخ من الانتهاء من وضع التقويم الخامس للمناخ، وتتوعد الهيئة الإنسان الذي خرب مناخ الكرة الأرضية بمستقبل لا يبشر بخير طالما استمر الإنسان في تلويث كوكب الأرض وتخريب الحياة فوقه.
لقد بدأت قضايا البيئة والتلوث تقلق العلماء ومراكز الأبحاث في كل أنحاء العالم، بل أصبحت قضايا التلوث التي ألحقت أضراراً بالغة بصحة البشر والإضرار بالمحاصيل الزراعية وتغيير مناخ وجغرافية الأرض تقلق كل الحكومات في كل أنحاء العالم، ولا سيما بعد أن ظهر الاحتباس الحراري في مناطق متعددة من الكرة الأرضية وأخذ يفتك في البشر ويتهدد حياتهم ومعاشهم.
إن التقارير التي صدرت من المنظمات الدولية تؤكد أن غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو هو المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري، وهذا الغاز ارتفع إلى 380 جزءاً في المليون بعد أن كان 272 جزءاً في المليون قبل الثورة الصناعية، وهو ما أدى إلى ارتفاع درجة الأرض درجتين كاملتين مقارنة بالوضع الذي كانت عليه قبل الثورة الصناعية.
إن التقرير الأخير الذي أصدرته الأمم المتحدة يتوقع أن ترتفع درجة حرارة الأرض بمعدل ثلاث درجات إلى أربع درجات في بعض الدول بحلول عام 2050، وهو ما يشكل زيادة غير طبيعية لحرارة الأرض، وإذا حدث هذا -لا سمح الله- فإن الحرارة ستتسبب في حدوث آثار كارثية على البشرية جمعاء منها ارتفاع منسوب مياه البحار ما بين 34 و52 سم، ولا شك أن هذا التغيير السيئ في المناخ سيؤثر سلباً على الإنسان المكلف بعمارة الأرض وسوف يترتب على ذلك انخفاض في معدل النمو الاقتصادي، بل إن معدلات التنمية المستدامة في كل دول العالم ستتراجع.
الأخطر من كل هذا أن هذه التغيرات في طوبوغرافية الأرض وحرارتها أدت إلى تغيير دراماتيكي في خريطة الأمراض المنتشرة فوق الكرة الأرضية، فبعد أن أصبح كثير من الأمراض الفتاكة من مخلفات الماضي .. عادت هذه الأمراض بشراسة أكبر ومخالب أخطر ولم تعد أدوية المضادات الحيوية التي اكتشفها الإنسان -بعد جهد جهيد وسنوات طويلة وأموال كثيرة- قادرة على القضاء عليها، ونذكر على سبيل المثال أن فيروس كورونا الذي اجتاح منطقة شبه الجزيرة العربية هذا العام لم ينجح الإنسان حتى الآن في اختراع اللقاح المضاد له، ولهذا أخذ هذا الفيروس يفتك بالإنسان الذي لا حول له ولا قوة.
ولقد أظهرت الصور الفضائية التي ترصد القطبين الشمالي والجنوبي أن ذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي يتم بوتيرة أسرع من المتوقع، حيث اتضح من خلال الصور انحسار واضح للجليد في مناطق سيبريا وألاسكا وجوانب مختلفة من القطب الشمالي، وكان كل من الممر الشمالي الغربي، والمسار الشمالي مفتوحاً أمام الملاحة خلال شهر أيلول (سبتمبر) 2010، كما تسجل درجة حرارة الهواء ارتفاعا ملحوظاً منذ بداية الألفية الميلادية الثانية، وبلغت رقماً قياسياً لتصبح الأشد على الإطلاق.
نقول لقد تداولت وكالات الأنباء العالمية في الشهر الماضي أخباراً عن ذوبان الجليد الذي سيجعل الجزيرة العربية "المملكة العربية السعودية" ضمن المناطق الاستوائية الرطبة، ويجعل روسيا في قلب المناطق ذات الحرارة العالية كما حدث لها بالفعل في صيف 2010.
ويقول العلماء في تفسيرهم للتغيرات المناخية إن الأقطاب المغناطيسية باتت تتعارض مع الأقطاب الجغرافية، ونتيجة لذلك تحولت إبرة البوصلة من الإشارة إلى القطب الشمالي وأصبحت تشير إلى القطب الجنوبي.
وهذا كاف لإحداث اختلال في التوازن الطبيعي للكرة الأرضية وهو ما أدى إلى حدوث الكوارث الطبيعية المروعة كالزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات التي شهدتها خلال الأيام والسنوات القليلة الماضية إندونيسيا وهاييتي وباكستان وروسيا وغيرهما من المناطق في أنحاء مختلفة من الكرة الأرضية.
الأخطر من ذلك أن بعض العلماء تكررت تحذيراتهم من أن كوكب الأرض سيتعرض إلى انفجار أكبر بركان في العالم، وهو البركان النشط الموجود في منطقة بول ستون بارك في وسط أمريكا، ويؤكد الجيولوجيون الأمريكيون أن الحمم المنصهرة من هذا البركان كافية لتغطية أمريكا كلها بالحرائق، والخطر الأكبر هو وصول هذه الحرائق إلى مخزون السلاح النووي الأمريكي، الذي إذا وصل -لا سمح الله- إليه فإنه قادر على تدمير الكرة الأرضية بمن فيها وما فيها.
وفي هوليوود يهتم صناع السينما في هذه الأيام بإخراج أفلام تصور نهاية العالم بافتراض سقوط كويكب من الفضاء الخارجي على كوكب الأرض، أو سقوط نيزك ماتيلدا على الأرض، وفي العام الماضي شاهدنا فيلم سوبرمان في نسخة جديدة وهو فيلم لم يعد يوجه للأطفال بل أصبح سوبرمان من أفلام الرعب التي تتحدث عن مخلوقات غريبة تغزو كوكب الأرض.
وكل الأفلام التي تعالج هذا النوع من القضايا تؤكد في النهاية أن الإنسان الذي لوّث كوكب الأرض وألحق بالبيئة أضراراً بالغة لم يعمل بجد لإنقاذ الأرض من الخراب الذي ألحق بها.
ويؤكد خبراء البيئة أن الحرارة إذا ارتفعت درجتين مئويتين، فإنها ستؤدى بالضرورة إلى نقص ملحوظ في المحاصيل الزراعية، كما ستؤدي إلى ارتفاع قياسي في درجة الحرارة التي سينجم عنها موجات من الأعاصير المدمرة التي تضر بالحياة على الأرض.
إن المسؤولية تطال كل إنسان يعيش فوق كوكب الأرض وتطالبه من موقعه بأن يرفق بالبيئة، وأن يكون من حماتها المسؤولين، بمعنى المطلوب من المثقفين أن يضعوا البيئة النظيفة في مقدمة أعمالهم وأن يكتبوا باستمرار عن البيئة النظيفة، كذلك المطلوب من السينمائيين أن ينتجوا أفلاماً تركز عناوينها على أهمية حماية كوكب الأرض من التلوث، ومطلوب من الصناعيين أن يستخدموا المواد النظيفة في مصانعهم، ومطلوب من مؤسسات التعليم أن يدرسوا للطلاب أهمية نشر الوعي البيئي في المجتمعات، ومطلوب من رجل الشارع العادي أن يحافظ على البيئة النظيفة ابتداء من بيته ومن عمله ومن الشارع الذي يمر فيه والشارع الذي يعيش فيه.