حقيقة الدين العام الخليجي

أوردت صحيفة "الاقتصادية" الغراء في عددها الصادر يوم 2014/4/13 تقريراً تحليلياً للديون الخليجية، وقد تفاعل العديد من الجهات والكثير من القراء مع هذا التقرير. وبعد الاطلاع على التقرير قد يتصور البعض وجود مشكلة ديون خليجية. ويشير التقرير إلى وصول إجمالي الديون الخليجية إلى 646.3 مليار ريال. واحتلت قطر المركز الأول بين الدول الخليجية الأكثر استدانةً بنحو 251.8 مليار ريال، ثم تلتها الإمارات بنحو 246.6 مليار ريال، ثم المملكة بنحو 75.1 مليار ريال، ثم باقي الدول الخليجية ولكن بمبالغ أقل. وتبدو بيانات الدين الوطني المطلقة لدول المجلس ضخمة وكبيرة، ولكن السؤال المهم الذي يترتب على هذه البيانات هو ماهية وجود مشكلة ديون لدى دول المجلس من عدمها؟
وينبغي أولاً التأكيد على أن البيانات المطلقة لوحدها ليست دليلاً على وجود معضلة، بل قد تكون مضللة إلى حد كبير، خصوصاً في المجالات المالية والاقتصادية، وينطبق هذا على الديون الوطنية التي تأتي عادةً بأرقام فلكية تضخم كثيراً من حجم المشكلة وتصورها على أنها معضلة كبرى حتى ولو كانت ضئيلة التأثير.ولهذا ينبغي في معظم الأحيان الإتيان بنسب مقارنة ببيانات المتغيرات مع مجاميع كلية كالناتج المحلي الإجمالي، لكي يمكن مقارنة بأوضاع الدول وتحديد إمكانية وجود معضلة من عدمها.
وقد جرت العادة على نسب الدين الوطني إلى إجمالي الناتج المحلي لمعرفة مستوى مخاطر تعرض مالية دولة ما إلى معضلة ديون. ويسود تصور بين المختصين بأن بقاء الدين الوطني في مستويات لا تتجاوز 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أمر مقبول وسليم ولا يمثل أي معضلة للدول ما دام معظم هذا الدين أو كله بالعملة الوطنية ومملوك لمواطنين. أما إذا كان معظم الدين مصدر بعملات أجنبية ومملوك لمقيمين في الخارج فإن تراجع معدلات صرف العملة المحلية قد يرفع من نسبة الدين الوطني بقوة، كما تحتاج الدولة إلى توفير عملة صعبة لسداد مستحقات الدين. وقد جرى تجاوز كبير لنسبة أمان الدين البالغة 60 في المائة بعد الأزمة المالية العالمية في كثير من الدول، وذلك لتمكين دول العالم من تجاوز تبعات الأزمة المالية العالمية التي كانت تهدد الاقتصاد العالمي بالكساد. وقد نجحت الكثير من الدول المتقدمة في تجاوز الأزمة المالية العالمية عن طريق التوسع المالي الذي رفع نسب ديونها إلى نواتجها المحلية وجعلها تتجاوز المستويات الآمنة في كثير من الدول "اليابان 230 في المائة". وساعد تدني معدلات الفائدة الحالي على المستوى العالمي في تدني تكاليف خدمة الديون العالمية، ولكن أي ارتفاع في معدلات الفائدة يعرض مالية الدول الأكثر استدانةً إلى مخاطر حقيقية.
وعلى النقيض من معظم دول العالم تنخفض بوجه عام نسبة الدين الوطني إلى الناتج المحلي الإجمالي في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، حتى ولو بدت بيانات الديون الوطنية لهذه الدول كبيرة. ولا تعتبر نسبة الدين مرتفعة حالياً في أي دولة خليجية، فحتى في قطر -وهي الأكثر مديونية- لا يتجاوز الدين الوطني نسبة ثلث ناتجها المحلي الإجمالي، ولهذا ليس لدى أي دولة خليجية معضلة حقيقية مع الديون. وتأتي المملكة على رأس الدول الخليجية في تدني نسبة الدين الوطني للناتج المحلي الإجمالي، حيث تنخفض لديها إلى 2.7 في المائة فقط عند نهاية 2013، وتعتبر هذه النسبة شبه معدومة. من جهةٍ أخرى فإن كامل الدين الوطني للمملكة مملوك لجهات وطنية ومصدر بالعملة المحلية، ولهذا حتى لو كان حجمه أكبر بكثير من النسبة الحالية فإنه لا يمثل قلقا لأي متخذ قرار. إضافة إلى ذلك، تملك حكومات دول المجلس احتياطات مالية واستثمارات ضخمة داخلية وخارجية تتجاوز حجم الديون الوطنية بكثير، ونتيجةً لذلك تعتبر حكومات دول المجلس من الدول الأوفر حظاً من الناحية المالية على المستوى العالمي، بل إنها إجمالاً دول مقرضة وليست دولا مدينة. وفي حالة المملكة، تشير بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي إلى أن لدى الدولة ودائع في مؤسسة النقد العربي السعودي تصل إلى 1508.3 مليار ريال عند نهاية عام 2013، وهذه الودائع تتجاوز حجم الدين الوطني بكثير. ونظراً لضخامة الأصول التي تملكها الدولة، فإن استخدام مفهوم صافي الدين الوطني الذي يعني الدين الوطني ناقصاً الأصول التي تملكها الدولة، أجدى من استخدام مفهوم الدين الوطني. ولو طرح فقط ودائع الدولة لدى المؤسسة من الدين الوطني لوصل صافي الدين الوطني إلى -1433.2 بليون ريال أو- 51.3 في المائة من الناتج المحلي عند نهاية عام 2013. وهذا يشير إلى أن لدى الدولة فوائض مالية صافية لا تقل عن 51.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عند نهاية العام الماضي. وينبغي ألا ننسى أن لدى الدولة أصولا أخرى مستثمرة في الأسواق المحلية وقد يتوافر لها أصول أخرى غير محددة، ولهذا قد يتجاوز صافي قيمة إجمالي أصول الدولة قيمة الناتج المحلي الإجمالي. وتستطيع الدولة تسديد كامل الديون من الناحية المالية، ولكن تحول النواحي القانونية من سداد جميع السندات المصدرة، لأن لهذه السندات آجال محددة ولا يمكن للدولة سدادها ألا وقت استحقاقها. وإذا رغبت في سدادها حالاً فإن عليها دفع علاوات أو مبالغ إضافية لحامليها لكي تقنعهم بالتنازل عنها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي