شيخ جواهرجية جدة: فحص كسر الذهب قبل استبداله يقلص العيارات منخفضة الجودة من السوق
قال جميل فارسي، شيخ الجواهرجية في جدة، إن عدم استبدال الكسر (الذهب المستخدم) إلا بعد التحليل والفحص، يحد ويقلل من وجود عيارات ذهب منخفضة الجودة في السوق ويقلل من عمليات التلاعب.
وأضاف، في حوار له مع “الاقتصادية”، أن عدم وجود معاهد تدريب وطنية لتأهيل العمالة الوطنية في صناعة الذهب؛ يؤدي إلى استمرار استقدام العمالة الوافدة للعمل في القطاع دون قيود، مؤكدا في هذا الصدد أن انخفاض الصاغة السعوديين في السوق يقلل من استفادة الاقتصاد الوطني من قطاع الذهب والمجوهرات.
وتعليقا على تأثير حملة تصحيح الأوضاع في القطاع، أكد أن الأولى كان التوجه نحو العمالة السائبة في الأسواق والمتسولين، ومن لا يملك وثائق وأوراقا نظامية؛ قبل التوجه نحو الشركات للتأكد من مهن العمالة النظامية. فإلى تفاصيل الحوار.
حدثنا بداية عن نشأة تجارة الذهب والمجوهرات في السعودية؟
على مدى التاريخ كانت منطقة الحجاز مركزا لتجارة الذهب بسبب الحرمين الشريفين، وكانت قبلة للعالم الإسلامي ومنطقة لجذب صناعة الذهب والمجوهرات، ولم يكن غريبا وقت الطفرة المالية في السبعينيات الميلادية أن تزدهر هذه الصناعة.
لكن في فترة من الفترات اشتدت معها الإجراءات النظامية للمحافظة على المكتسبات، وفي الوقت نفسه في المقابل تحررت بعض الدول المنافسة من العديد من الإجراءات، وجذبت بذلك جزءا كبيرا من حجم تجارة وصناعة الذهب والمجوهرات إليها، وأبرز تلك المناطق دبي.
تجارة الجملة في الشرق الأوسط كانت في جدة وتحولت إلى دبي، وبذلك تحول تجار منطقة الشرق الأوسط من جدة إلى دبي، وتم ذلك خلال فترات تمتد إلى منتصف العقد قبل الماضي، وذلك التحول يعود إلى متخذي القرار وليس إلى التجار، فالتجار يبحثون عن البيئة الملائمة للاستثمار، مع الالتزام بجميع الأنظمة والقوانين.
فمثلا، إجراءات استخراج رخصة البلدية أطول بكثير في السعودية من دبي، وكذلك رخصة الاستثمار، والعديد من المتطلبات الأخرى اللازمة.
كيف تنظر إلى مستوى التدريب وتأهيل العاملين في قطاع الذهب والمجوهرات بالمملكة؟
في السنوات الماضية بدأت المنطقة في المعاناة، لأن تصنيع الذهب والمجوهرات حرفة يدوية، وليس لدينا المعاهد التدريبية المهنية اللازمة للمحافظة على المهنة وتوفير المتطلبات اللازمة في سوق العمل.
ومن وجهة نظر شخصية؛ أقتنع بأهمية عمل المواطن بدلا من استقدام العمالة في مهنة تصنيع الذهب والمجوهرات، رغم أن مصلحة أصحاب الأعمال استقدام العمالة. وليس من مصلحة الوطن فتح الباب في القطاع الخاص لاستقدام العمالة الوافدة دون قيود، والنسبة غير العادلة بين العمالة الوافدة والعمالة الوطنية جرس إنذار للوطن.
العمالة الأجنبية أرخص، لكنها تتحول إلى إدمان بعد فترة، فالخطر أن تصبح مما لا يمكن الاستغناء عنها في المدى الطويل، لذلك يجب الوقوف ضد التوسع في العمالة الوافدة، خاصة في بعض المهن التي يمكن توطينها.
الصاغة السعوديون، أين تأثيرهم في دعم صناعة الذهب محليا؟
لا يوجد صاغة سعوديون في قطاع الذهب والمجوهرات السعودي، ومن غير المنطقي منح أصحاب الورش عمالة وافدة باستمرار؛ إذ إن الذهب الخام وآلات التصنيع من الخارج، والعمالة الوافدة هي من تصنع في السوق المحلية.
أين مصلحة الاقتصاد الوطني إذا؟
الأولى أن تقوم العمالة الوطنية بالتصنيع وإحداث قيمة مضافة في السوق، وهذا لا يتم إلا بتدشين معاهد للتدريب الوطني، يتم عبرها خفض العمالة الوافدة في تلك القطاعات بنسبة عادلة سنويا، إلى أن يتم توطين القطاع كاملا.
إذا لم يتم توطين المهنة ضمن خطط زمنية محددة؛ فمن الأفضل أن يتم الإنتاج في الخارج بما في ذلك الورشة الخاصة بنا. وإن أردنا صناعة منافسة فعلينا تقديم دعم لفارق الأجور حتى نغري الشاب بالبقاء في المهنة.
عمليات التلاعب في السوق من قبل العمالة الوافدة، كيف يمكن القضاء عليها والحد من آثارها؟
هناك حالات تلاعب موجودة في السوق، بسبب غياب صاحب العمل الحقيقي وتلاعب العمالة الوافدة، ويجب وقوف أصحاب الأعمال الحقيقيين على أعمالهم، وإلا فليتركوا العمل في هذا القطاع وليختاروا قطاعا أقل مسؤولية.
هناك عمالة وافدة مخالفة تعمل خارج النطاق الرسمي، ويجب على الجهات المعنية ضبط المخالفين وتلك المخالفات، ونحن ليس لدينا السلطة الكافية للقيام بهذا الدور، وقمنا بعقد اتفاقية بدأت في محرم العام الماضي بين كبار تجار الجملة، تنص على عدم استبدال الكسر (الذهب المستخدم) إلا بعد التحليل والفحص، وهذه تحد وتقلل من وجود عيارات منخفضة في السوق.
وهذا اتفاق بين مجموعة من كبار تجار الذهب، بحيث لا يشترون الذهب مقابل ذهب كسر إلا بالتحليل، وبالتالي تجار التجزئة عند استلام الذهب سيضطرون إلى فحص الذهب قبل الشراء، وبالتالي يتم قطع مصدر عيارات الذهب المتدنية من المنبع.
هذا الأمر لأن بعض المواقع المرخصة تداولت الذهب المغشوش وعيارات الذهب المتدنية، أما التنظيم الجديد فسيمنع ذلك، لأن شراء العيارات المتدنية لا يمكن بيعها، لأن تاجر الجملة يشترط التحليل والتأكد من العيارات قبل شرائها.
كيف تنظر إلى حملة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة، وتأثيرها في القطاع؟ إلى أي مدى تأثرت أعمالكم بعد الحملة؟
من وجهة نظري، هناك أولويات كان يجب البدء بها، مثل العمالة السائبة في الأسواق، والمتسولين، والعديد من العمالة التي لا تملك وثائق وأوراقا نظامية؛ بدلا من التوجه فورا إلى الشركات والتأكد من مهن العمالة النظامية.
هل تعتقد أن فاتورة شراء المجوهرات كافية من أجل حفظ حقوق المستهلك؟
الفاتورة لا تكفي بحد ذاتها لحفظ حقوق العملاء والمستهلكين، ودائما أقول للعملاء: "لا تقبلوا أي وعد شفوي من أي إنسان". لهذا يجب توثيق جميع التفاصيل في الفاتورة، مثل توثيق العيار والوزن، ونوع الأحجار إن وجدت.
وفيما يتعلق بالأحجار، هناك مخالفات تنبهت لها وزارة التجارة، حيث نص النظام على وجوب ألا تزيد أوزان الأحجار المقلدة عن 5 في المائة، رغم ضبط قطع بها أحجار يزيد وزنها عن 25 في المائة من الوزن الإجمالي للقطعة، وبالتالي فإن 20 في المائة من القيمة يتحملها المستهلك بصورة غير مشروعة، ويدفعها على أنها مجوهرات.
النظام وضع نسبة محددة لا تتجاوزها الأحجار في القطع الذهبية وهي 5 في المائة كحد أقصى. يجب توثيق هذا في الفاتورة لحفظ حقوق المستهلك".
ماذا عن معارض الذهب والمجوهرات في السوق السعودية؟
هذه المعارض غريبة نوعا ما، فالنظام يشترط عدم بيع المجوهرات إلا في المواقع المرخصة من وزارة التجارة، بينما من خلال المعارض كان يتم بيع الذهب والمجوهرات. كما يشترط النظام بيع الذهب والمجوهرات بدمغة، تبين التاجر المسؤول عن تلك القطعة، بينما وجد من يبيع القطع في المعارض بدون دمغة، وهناك منتجات غير مدموغة دخلت للسوق من خلال المعارض.
كما يشترط النظام سعودة قطاع المبيعات بنسبة 100 في المائة، فكيف يتم إجبار التاجر السعودي على السعودة وهي مكلفة، بينما التاجر الأجنبي يتم السماح له والمرافقين له بالبيع في المعارض؟ هذا فيه عدم عدالة، وقد تمت مخاطبة وزير التجارة من أجل مساواة السعودي بالأجنبي، وتطبيق نظام المعادن الثمينة على الجميع، وتم تطبيق النظام بشكل شديد خلال معارض العام الماضي على الجميع.
كيف تنظر إلى إخراج ورش الذهب إلى خارج المدينة، وتأثير هذا في أعمالها؟
تشكلت في السابق لجنة مكونة من الدفاع المدني والأرصاد والشرطة ووزارة التجارة؛ وعلى أثر هذا تم إقرار نقل ورش الذهب إلى خارج المدينة. هذا القرار اتخذ مع الأسف بدون وجود التجار، بينما نجد أن نظام المعادن الثمينة الذي أقر قبل 30 سنة كان بالاتفاق مع التجار.
كنت أتمنى من تلك اللجنة الاستعانة بكبار تجار الذهب والمجوهرات، ولا أتصور ألا يكون هناك أمين وعاقل في قطاع الذهب والمجوهرات، ولو استعانوا بأمناء تجار الذهب والمجوهرات، لتم إبلاغهم بضرورة حماية بيئة جدة من المصانع والأدخنة التي تلقي أطنان الأوبئة على المدينة، بدلا من حمايتها من ورش الذهب.
هناك أولويات، ونحن في مدينة فيها تلوث يجب معالجته قبل التوجه إلى ورش الذهب التي تنتج ضمن مساحة ثلاثة أمتار مكعبة. هذا رغم تأكيدي على أهمية المحافظة على البيئة، لكن ضمن الأولويات.
وحول رأيي في وجود تلك الورش داخل المدينة؛ فأؤكد أن هناك دولا عالمية، مثل سويسرا وسنغافورة، ورش الذهب فيها موجودة داخل المدينة، أما في إيطاليا فمدينة فالنسيا ليس فيها إلا ورش الذهب وفوقها فلل أصحابها، وهي ليست متروكة عبثا، لكن يتم الاشتراط على تلك الورش تطبيق معايير محددة للحفاظ على البيئة.
المفروض وضع ضوابط وشروط على مصانع وورش الذهب، وتترك تعمل في مواقعها بعد التأكد من عدم إضرارها بالبيئة أو الأمن، مثلها مثل محطات الوقود التي تعمل داخل المدن، وتعتبر أكثر خطورة من الورش والمصانع، لكنها تعمل وفق أنظمة وضوابط تحد من مخاطر تلك المحطات داخل المدينة.
يجب فرض التفتيش الحقيقي في جميع المهن، ونحن كتجار لا نمانع التفتيش على العيارات برسوم، ويكون تفتيشا دوريا يتكرر ثلاث أو أربع مرات في العام، ويتم فرض رسوم تفتيش كل مرة، مع ضمان التفتيش على جميع نقاط البيع وسلامة العيارات في السوق.
بالتالي، يمكن التفتيش على الورش باستمرار، وأخذ عينات من الهواء والماء، مع دفع الرسوم وتحميل التكاليف، وضمان عدم الإضرار بالمدينة. هناك بعض مصانع الذهب في السوق، الهواء فيها أنقى من الهواء في الأماكن العامة، لوجود فلاتر تلتقط ذرات التلوث الموجودة في الهواء بنسبة عالية جدا، للحفاظ على الذهب ونقاوته.
عند الطلب من المصانع والورش بالتوقف والانتقال إلى خارج المدينة، فإنها لن تنتقل إلى خارجها بل إلى خارج المملكة وإلى دبي تحديدا، وبالفعل هناك كثير من رؤوس الأموال والتجار السعوديين الذين هاجروا إلى الخارج.
هناك أحد التجار السعوديين المهاجرين إلى دبي، تمت زيارة مصنعه في دبي الذي يُصدِّر منه إنتاجه إلى جدة، ويعمل في دبي بشكل رائع، وبدرجات أفضل من العمل في السوق السعودية، ويقول إن من حسن حظه مضايقته في السوق السعودية، إذ وفرت له الهجرة إلى دبي فرصة التصدير إلى السعودية وعمان والهند وباكستان والصين ودول أخرى.
كيف انعكس قرار إغلاق المصانع والورش على السوق السعودية؟
التضييق على المصانع والورش النظامية وسع المجال، وأوجد سوقا رابحة للورش غير النظامية، وكلما ازدادت المضايقة في الأنظمة انعكس هذا بشكل مباشر على التوسع في الأعمال غير النظامية.
حجم الذهب والمبيعات تراجع في السوق بشكل عام، بسبب الإجراءات وأسباب أخرى، التي تعود إلى تراجع مستوى دخل الطبقة المتوسطة، حيث إن الطبقة المتوسطة تآكلت، وبالتالي تراجعت القدرة الشرائية في السوق.