مركز سعودي للتحكيم التجاري
يقوم التحكيم بدور مساند للقضاء من خلال إتاحة الفرصة للمتنازعين لاختيار التحكيم بديلا عن اللجوء للمحاكم، ولأن التحكيم يحقق للخصوم السرعة والتخصص الدقيق في كل نوع من أنواع المنازعات، فإنه الطريق الأقصر والأفضل للمتعاملين في النشاط التجاري بالذات، ولكن لأن تجربة التحكيم في المملكة لم تكن في المستوى المأمول، بل هناك من انتقد التحكيم، وخصوصا الشركات التي لجأت للتحكيم وذاقت التجربة المرة في طول الإجراءات ثم العودة إلى نقطة الصفر من جديد، ليضيع الوقت والجهد والمال ثم تبقى الدعوى في مكانها تراوح بين هيئة التحكيم والمحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، التي ترى في التحكيم منافسا يجب إزاحته وتهميش قراره لأبسط الأسباب.
وعلى الرغم من صدور نظام جديد للتحكيم ليحل محل النظام السابق، فإن شيئا جديدا لم يحدث ولكن الجديد هو قرار مجلس الوزراء الذي نص على تشكيل لجنة دائمة في وزارة العدل مكونة من وزارة العدل ووزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للاستثمار، وثلاثة يختارهم مجلس الغرف التجارية الصناعية، وثلاثة من ذوي الخبرة والاختصاص يختارون بالاتفاق بين وزير العدل ووزير التجارة والصناعة، تكون لهذه اللجنة صلاحية في إنشاء مراكز تحكيم سعودية وفروع لهذه المراكز وفقا للقواعد التي تضعها اللجنة، ووضع معايير لقيد المحكمين في المراكز التي ترخص لها، ووضع معايير استرشادية لتحديد أتعاب المحكمين ومصاريفهم في المراكز التي ترخص لها.
والمهم أن قرار مجلس الوزراء إنشاء مركز باسم "المركز السعودي للتحكيم التجاري" تحت مظلة مجلس الغرف التجارية والصناعية، ويكون مقر المركز الرياض، ليتولى هذا المركز الإشراف على إجراءات التحكيم في المنازعات التجارية والمدنية التي يتفق الأطراف على تسويتها تحكيميا وفق ما تفي به الأنظمة واللوائح والمبادئ القضائية المستقرة، ولا يدخل في اختصاص هذا المركز المنازعات المتعلقة بالقضايا الإدارية والأحوال الشخصية والجزائية وما لا يجوز الصلح فيه.
والحقيقة أن قرار مجلس الوزراء سيحدث نقلة كبيرة في التقاضي في القضايا التجارية والمدنية لأنه أنشأ مركز تحكيم تجاري يعمل تحت مظلة مجلس الغرف التجارية والصناعية لخدمة القطاع الخاص والتجار، سواء كانوا شركات أو أفراد، حيث يتيح لهم المركز فرصة إقامة الدعاوى أمام هذا المركز سواء كان هذا الاتفاق وارد في العقود التجارية التي تم إبرامها سلفا أو في اتفاق لاحق بين الأطراف على اللجوء للمركز السعودي للتحكيم التجاري، والمهم الآن هو كيف سيعمل هذا المركز الذي يجب أن يتجنب الطابع الشخصي في العمل، مثل اختيار المحكمين وتحول بعضهم إلى مدافع عن الطرف الذي اختاره، وغير ذلك من السلوكيات التي يتم فيها الخلط بين المحكم والمحامي، فالقائمة واحدة ويتم الاختيار من بينها ليقوم الشخص الواحد بدور مزدوج، وهو سلوك غير لائق مهنيا وأخلاقيا وحتى قضائيا.
والأمل معقود بالفعل على مركز التحكيم التجاري، فالقضاء التجاري يعاني من كم ونوع القضايا التجارية وبطء شديد يتنافى مع طبيعة التجارة التي تقوم أساسا على السرعة والاستثمار الأمثل للمال والوقت والجهد، فضلا عن عدم وضوح كاف للرؤية في بدء انتقال الدوائر التجارية في ديوان المظالم إلى جهة القضاء العادي، وتكوين المحاكم التجارية لتكون محاكم لها استقلال وذاتية متميزة من بين المحاكم، وكذلك بدء دوائر الاستئناف التجارية وفتح باب الترافع أمامها عمليا بدلا من نظام التدقيق المعمول به حاليا، حيث لا يمكن اعتباره استئنافا على أي حال. ولأهمية فعالية التحكيم وعدم تعرض قراراته للنقض إلا في أضيق نطاق متى مست العدالة بشكل واضح، فإن دورا مأمولا من وزارة العدل ينتظره التجار والشركات والمؤسسات التجارية.