التعطيل الأمريكي لإصلاح «صندوق النقد»

ليس جديدا تعطيل الولايات المتحدة جهود إصلاح صندوق النقد الدولي. هذا التعطيل يكاد يكون تاريخيا، نظرا لإجهاض عديد من المشاريع بهذا الخصوص، ولا سيما في منح دور أكبر للأسواق الناشئة في رسم سياسات الصندوق. كما ليس جديدا الخلاف في هذا الصدد داخل مجموعة العشرين، التي تعج بالدول الصاعدة، الساعية إلى دور أفضل من دورها الراهن، خصوصا أن هذه المجموعة أخذت بالفعل وبقوة زمام المبادرة في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، وسحبت نفوذا كان تقليديا لمجموعة السبع على مدى السنوات الفاصلة بين الأزمة وانتهاء الحرب العالمية الثانية. في كل مرة تقدم الولايات المتحدة الحجج للتعطيل أو التأخير، وعادة ما تكون هذه الحجج واهية ومكشوفة للجميع، بمن فيهم الأمريكيون أنفسهم. مع ضرورة الإشارة إلى الدعم المباشر وغير المباشر من الشركاء الأوروبيين.
حجة واشنطن هذه المرة، أنها لا تريد أن تمضي في عملية الإصلاح، وذلك خوفا من تعريض المخططات الاقتصادية للصندوق الهادفة لدعم أوكرانيا. فروسيا، بلا شك، ستستغل أي قوة إضافية لها في صندوق النقد لمنع أي دعم مالي لغريمتها أوكرانيا. لكن هذه الحجة آنية، وليست استراتيجية، وسرعان ما تنتهي مع أول اتفاق سياسي يتم بين موسكو والعواصم الغربية. ورغم التصعيد الروسي على الجبهة الأوكرانية، إلا أن الأبواب لا تزال مفتوحة أمام التفاهمات الممكنة في المستقبل القريب، إلا إذا قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قلب الطاولة إلى آخر مدى. وكان بإمكان واشنطن، أن تمرر بسرعة سلسلة من المخططات الاقتصادية الداعمة لكييف من خلال الصندوق، وتعمل في الوقت نفسه على صيغة إصلاح مقبولة من كل الأطراف. غير أن الإدارة الأمريكية "كبقية الإدارات الأخرى"، تعتقد أنه من الأفضل الاستمرار على هذا الشكل ضمن صندوق النقد.
لقد طفح الكيل بالفعل بالنسبة للدول الصاعدة. فما كان يتم تداوله خلف الأبواب المغلقة، بات الآن في وسائل الإعلام. وأصبحت اللهجة حادة بصورة لافتة، إلى درجة أن هددت بعض هذه الدول بالمضي قدما في إصلاح صندوق النقد، حتى من دون الولايات المتحدة. هذا التهديد بالتأكيد ليس منطقيا، لأنه ببساطة لا يمكن القيام بذلك، لأسباب عديدة، في مقدمتها محورية الولايات المتحدة في الصندوق، فضلا عن مركزية شركاء واشنطن الغربيين الذين لا يبدون حماسا واضحا في مجال الإصلاح. ولا شك في أن مواصلة الضغوط بأشكال مختلفة ومبتكرة على الولايات المتحدة، هي الطريقة المثلى، للوصول إلى أفضل صيغة ممكنة للإصلاح المنشود. صحيح أن واشنطن استنزفت كل المدد الممكنة للقبول بالإصلاح، لكن الصحيح أيضا أنها تستطيع هي الأخرى قلب الطاولة إذا ما أرادت ذلك، بشكل لا يعطل عملية الإصلاح، بل يعطل أداء صندوق النقد الدولي نفسه.
مر حتى الآن أكثر من أربع سنوات منذ آخر حملة قوية ومركزة بهدف إصلاح الصندوق، ولم يحدث شيء على أرض الواقع. بعض الأطراف "وفي مقدمتهم روسيا" تريد أي تغيير ممكن في هذا الوقت بالذات، بما في ذلك المضي قدما بما أسموه "إجراءات مؤقتة تتخذ لتحقيق بعض الإصلاحات، دون موافقة الولايات المتحدة". وتسعى هذه الأطراف إلى إجراء تعديلات على آلية منح القروض, لكن الولايات المتحدة الرافضة للإصلاحات الشاملة، لا يمكن أن تقبل بتغيير الآلية المذكورة، أيضا في هذا الوقت بالذات. وحتى لو تم المضي من دون واشنطن، فإن آلية التنفيذ نفسها ستكون متوقفة. الأمريكيون يعرفون أنهم يمتلكون مفاتيح أساسية في صندوق النقد الدولي، كما بقية المؤسسات الدولية الكبرى، ويعرفون أيضا أن بجانبهم قوى غربية مؤثرة أخرى، لن تتردد في الوقوف في وجه أي خطوة روسية، ولا سيما في ظل المواجهة السياسية الراهنة بين روسيا والغرب كله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي