لِمَ لا تشارك المشاريع الصغيرة مع الكبيرة؟
عدد الأسر المنتجة التي تعمل من المنازل في السعودية ليس قليلا، بل يمكن القول، إنه كبير ضمن المعيار السعودي العام. وهو كبير ولكن ليس فائضا. كما أن هذا العدد الذي يبلغ حاليا أكثر من 25 ألف أسرة، يمكن أن يزيد وفق ما تتطلبه السوق والحراك الإنتاجي، خصوصا إذا ما أخذنا الصورة العامة للاستراتيجية التنموية التي تقوم المملكة بتنفيذها في مختلف القطاعات، وعلى امتداد مساحاتها الجغرافية. والعمل من المنزل، ليس أمرا جديدا في عالم الاقتصاد. فهو مزدهر في عديد من الدول التي حققت نجاحات اقتصادية كبرى، كما أنه يدخل في صلب الإنتاجية الوطنية. ففي دول مثل اليابان والصين وألمانيا وغيرها، شكلت المشاريع الصغيرة ، ولا تزال، "سيولا" من الإمدادات للمشاريع المتوسطة والكبيرة. والشركات الكبرى في الاقتصادات الناجحة، تشجع مثل هذا الحراك، ولا تنظر إليه منافسا.
وفي ظل هذه الحقائق، يبدو غريبا أن يضطر أكثر من 90 في المائة من رواد الأعمال الصغيرة في السعودية للخروج من السوق. متى؟ بعد ثلاث سنوات فقط من مزاولة أعمالهم ونشاطاتهم. وهي في الواقع فترة قصيرة جدا، في مقابل نسبة هائلة من الخارجين من السوق. والحق أن الأمر لا يتعلق فقط بضرورة تسريع منح التراخيص للأعمال الصغيرة "ولا سيما تلك التي تتم في المنزل"، بل أيضا في تكريس المفهوم الإيجابي لدور هذه المشاريع في الحراك التنموي الشامل، وفي دعم "مرة أخرى.. ليس منافسة" الأعمال الأكبر. والعلاقة الصحية في هذا المجال، توفر تكاليف لا حدود لها للمشاريع الأكبر، وتقدم في الوقت نفسه الفرص اللازمة للمنخرطين في الأعمال الصغيرة. يضاف إلى ذلك المسؤولية الوطنية التي تترك آثارا إيجابية عميقة في هذا المجال.
وطبقا للتقديرات المطروحة، تمثل المشاريع ــــ الأعمال الصغيرة في السعودية حالة إيجابية، إذا ما تم توفير التسهيلات اللازمة لها، وإخضاع نفسها ليس للتطوير فحسب، ولكن أيضا وفق متطلبات السوق. واللافت في هذه التقديرات من قبل المختصين، تجاوز عائد القيمة المضافة لمشاريع الأسر المنتجة ما نسبته 50 في المائة من إيراداتها. وإذا ما تم وضع استراتيجيات تسويقية جيدة، فإن مسيرة هذه المشاريع ــــ الأعمال ستمضي إلى الأمام، بل وستضخ للتطوير الذاتي، بما يتناغم مع متطلبات السوق، بل وفي مجالات أخرى بما يتوافق مع احتياجات المشاريع المتوسطة والكبرى نفسها. لقد وجدت بعض دول المنطقة أهمية كبيرة لمثل هذا القطاع، وفي السنوات الماضية وفرت كثيرا من التسهيلات له.
صحيح أن هناك نسبة من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، لا يدركون الفارق بين التسويق والإنتاج. ولذلك نرى تكرار نوعية الإنتاج وتشابهه. لكن الصحيح أيضا، أن هذا القطاع يحتاج إلى منظومة إرشادية مباشرة له، وهي تدخل ضمن إطار التسهيلات المطلوبة للحراك كله. وإذا ما أخذنا في الاعتبار اتساع رقعة محدودي الدخل سواء في السعودية أو غيرها من الدول الأخرى، فإن مثل هذه المشاريع تمثل صيغة تنموية فاعلة لهذه الشريحة، وتجعلها جزءا لا يتجزأ من الحراك التنموي الشامل. هناك بعض المؤسسات في السعودية تولي هذا الجانب أهمية كبيرة، وبعضها الآخر لا يزال ينظر إلى الأمر بصيغة غير واقعية. ولذلك هناك تفاوت كبير بين مؤسسة وأخرى في هذا المجال. إن أهم نقطة لوضع المشاريع الصغيرة في الإطار الصحيح، أن ينظر إليها كشريك صغير يحتاج إلى التشجيع ومزيد من التنظيم. وهو في النهاية شريك ليس عالة، بل جهة توفر تسهيلات صغيرة، بفاعلية كبيرة للكبار.