عبقرية الخير
حين يكون الإنترنت منصة إلهام عالمي، فتشرئب له الأحلام بمدى عبقري يمد العون خلاله بكبسة زر إلى طفل يتضور جوعا في أقاصي قارة حارة تبعد أميالا عن تلك الأنامل التي حركت لوحة المفاتيح لتفتح على آلاف الأطفال الجائعين من آلاف المتبرعين حول العالم. دهشت حين وجدت عالم المشاريع الخيرية التي تقوم على "التمويل التعاوني" على منصة الإنترنت فشهدت عالما آخر أبدع وتحمس في اعتماده على نفسه، فيتعاون الكثير بدفع القليل ليتشاركوا مشروعا يحمل الفكرة نفسها أو الاهتمام نفسه، بل يتابعون نمو المشروع من حمله حتى ولادته وبلوغه الرشد. ولا تقتصر الأفكار والمشاريع على الدعم الخيري من إطعام جوعى أو إسكان مشردين، بل حتى دعم مؤسسات الفن والثقافة والرياضة وأي اهتمام يجمع بين مجموعة من الناس من أي مكان في العالم. يا للروعة .. حين يؤمن الإنسان بنفسه فيعلن فكرته ويبنيها ويتشارك مع غيره من أي مكان في العالم.
وجدت الآلاف يتشاركون بدولار واحد فقط ليبنوا مشروعهم، ويضع الميزانية أحدهم ويدفع المتحمسون أو المؤيدون للمشروع وحين يصلون للميزانية يكتبون تاريخ وصولهم لها وعدد المؤيدين للمشروع الذين دفعوا له، ثم عرض لمراحل المشروع ووصوله إلى شكله النهائي، فتلك مدرسة بالية قامت على التمويل التعاوني وأخرى لتطوير لعبة فيديو ومشاريع خيرية أكبر لمساعدة مشردين أو تعليم فقراء أو .. أو مئات من الأفكار والمشاريع. حصرت مجلة "فوربس" - في عددها آب (أغسطس) 2013 - أفضل عشرة مواقع إنترنت تقوم على فكرة التمويل التعاوني، وذكرت أنه في عام 2012 حصدت صناعة المشاريع التعاونية 2 ،7 مليار دولار من خلال أكثر من مليون حملة قام بها أفراد حول العالم، وفي عام 2013 ارتفعت صناعة التمويل التعاوني لتصل إلى خمسة مليارات دولار.
التمويل التعاوني عبر الإنترنت أو ما يسمى تمويل الحشود وسيلة من وسائل النمو الاقتصادي والاجتماعي المتسارع، وهو مايطلق عليه Crowdfunding، ويعني مبادرة تقوم على منصة في الإنترنت يمكن أن تكون غير ربحية (على سبيل المثال لجمع الأموال لمدرسة أو منظمة خدمة اجتماعية)، أو حملة سياسية (لدعم مرشح أو حزب سياسي)، أو حملة خيرية (للحصول على أموال طارئة لشخص مريض أو لإنتاج الفنون الناشئة)، حملة تجارية ( لإنشاء وبيع منتج جديد) أو حملة تمويل لشركة مبتدئة.
التمويل التعاوني ليس فقط للمشاريع التي تجذب عالم الأعمال، بل حتى تلك التي تجذب عالم الفنانين والموسيقيين ومختلف الاهتمامات والهوايات.
حاز مشروع تطويري للعبة الفيديو Star Citizen أعلى دعم في تاريخ التمويل التعاوني فوصل "التبرع" له من المهتمين حول العالم إلى أعلى رقم في تاريخ هذه المشاريع 40 مليون دولار.
في عام 1884 واجهت اللجنة الأمريكية لتمثال الحرية صعوبة في دفع المال لبناء التمثال، فحث الناشر جوزيف بوليتزر في صحيفته "نيويورك" الدولية الرأي العام الأمريكي على التبرع بالمال لأجل التمثال، جمع بعدها أكثر من 100 ألف دولار ساهم فيها أكثر من 125 ألف شخص، معظم التبرعات كانت دولارا أو أقل.. تلك هي قصة البداية، والملحمة مستمرة حتى كتابة هذه الكلمات. من لديه فكرة لمشروع يرغب في تمويله التعاوني من أفراد حول العالم فبإمكانه تسجيلها في أشهر المواقع المتخصصة كموقع "جلوبال جيفينج".