الابتعاث .. والاستثمار في عمر المواطن
التعليم حاجة إنسانية، ورغم الدراسات الكثيرة في هذا المجال، فمن الصعب تحديد مستوى هذه الحاجة في سلم الحاجات الإنسانية، ذلك أنه كلما نمت الحضارة الإنسانية وتنوعت العلوم تغير مستوى هذه الحاجة، كما أن مستوى إشباع هذه الحاجة يختلف من شخص إلى شخص ومن دولة إلى أخرى، فالبعض يعتبر التعليم من الحاجات التي لها علاقة بالأمان بشكل عام، سواء الوظيفي أو حتى المعيشي، فغير المتعلم أو الأمي بشكل عام يعيش مع الشعور بعدم الأمان، فهو معرض دائما للتضليل والخداع، بسبب ضعف مستوى التعليم لديه، لكن في المقابل نجد أن مستوى التعليم الذي يشعرك بالأمان يختلف من حضارة إلى حضارة، وهنا قضية كبيرة، فالأمية اليوم تتجاوز قضية القراءة والكتابة، بل تصل إلى مستوى التعامل مع التقنية، من لم يتعلم التعامل مع التقنية الحديثة بكل ما تفرضه من وسائل - وليس الصراف الآلي بأقلها - فإنه يضع نفسه في خطر التعرض للغش والتضليل بأنواعه المختلفة، لذلك كلما نمت الحضارة نمت معها الحاجة إلى المزيد من التعلم كحاجة أساسية للشعوب، كما أن الحضارة تفرض الكثير من الضغوط الإنسانية، خاصة فيما يتعلق بالحاجة إلى التقدير وتقدير الذات، ولهذا فإن توفير فرص للتعليم هاجس يواجه أي دولة حديثة، وفي هذا السياق يمكن قراءة موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز برفع الحد الأعلى للسن المحددة لابتعاث الموظفين للدراسة في الخارج والإيفاد للدراسة بالداخل، وكذلك الموافقة على ضوابط الاعتداد بالمؤهلات العلمية التي تم الحصول عليها دون موافقة لجنة تدريب وابتعاث موظفي الخدمة المدنية. فالدولة- رعاها الله- تهتم بالتعليم كحاجة أساسية للإنسان السعودي، على أساس أن الشعور بالأمان عند الحكومة السعودية ينشأ أساسا من المعرفة وليس من زيادة التسلح، ولهذا فإن المملكة، على عكس كثير من دول العالم، تنفق الكثير جدا على تعليم الشعب مقارنة بتسليحه، وهذا ما تصدقه الميزانية العامة كل عام.
من جانب آخر يمكن فهم القرار الملكي من خلال توجه خادم الحرمين الشريفين لبناء الاقتصاد المعرفي، فمنذ توليه مقاليد الحكم – حفظه الله – وهو يؤكد أن الإنسان السعودي هو الثروة الحقيقية التي يجب الاستثمار فيها، ولهذا تم إطلاق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، والآن يتم رفع السن القانونية لمن يرغب في استكمال تعليمه حتى سن الـ 45 وهذا بلا شك يعكس معنى الاهتمام بالمواطن، فأي مبتعث عند سن الـ 45 سيعود للوطن في أحسن الأحوال، وقد اقترب من سن الـ 50 أو تجاوزها ويبقى له أقل من عشر سنوات فقط في العمل الحكومي، لكن الدولة تنظر لبناء الاقتصاد المعرفي وتستثمر من أجل الوطن، وليس من أجل العمل الحكومي فقط. فهؤلاء الذين سيستفيدون من القرار الملكي سيجمعون الخبرة التي حصلوا عليها طوال سنوات من العمل الحكومي مع مستجدات العلم الحديث، وهذا الخليط المهم بين الخبرة المهنية والعلم الحديث، لو تم استثماره كما يجب، سيختصر الكثير من الوقت في بناء الجيل القادم الذي سيرتكز في إنجازاته على الاقتصاد المعرفي الذي يتم بناؤه اليوم.