النفط الصخري .. تخبط التطور

جاءت شكوى حاكم ولاية داكوتا الشمالية الأمريكية، من التأثير السلبي لإنتاج النفط الصخري في البنى التحتية في الولاية، وكذلك في الأوضاع الاجتماعية وارتفاع الأسعار بصورة عامة، وأسعار وإيجارات العقارات.. جاءت الشكوى في الوقت الذي لا يزال فيه الحديث مستمراً عن جدوى الإقدام على إنتاج النفط الصخري في عدد كبير من بلدان العالم. فهذا النفط لا يزال في بداياته الإنتاجية هنا وهناك، ولا يزال هناك الكثير من الشكوك حوله، ليس فقط من الناحية البيئية، بل أيضا عن جدواه على المدى المستدام. كما أن عددا من الجهات الأمريكية والأوروبية المستقلة، تغمز دائماً، بأن حماس الولايات المتحدة للنفط الصخري له مجموعة من الأسباب، من بينها مبالغة الشركات الأمريكية الكبيرة في تقديراتها، من أجل الحصول على الدعم والتسهيلات اللازمة من الحكومة.
في بولندا تم العام الماضي إلغاء كل المشاريع الخاصة بالغاز الصخري، وفي ألمانيا يبدو الأمر بعيدا عن إقدام الحكومة هناك لإصدار التراخيص بهذا الشأن، وسط معارضة برلمانية قوية. وفي بعض البلدان الأخرى، وجدت أن حجم التكاليف أكبر من مستوى الانتفاع من هذا النفط. يضاف إلى ذلك أن التقنيات الخاصة بالإنتاج تظل مكلفة، إلى أن تصل إلى المرحلة التي يمكن لأي طرف راغب في إنتاج النفط الصخري الحصول عليها. صحيح أن هذا النوع من النفط يشكل ثورة في عالم الطاقة، ولكن الصحيح أيضا أنه يظل في نطاق الثورة التي تحتاج إلى مزيد من الوقت والنضج والإمكانات، لتصبح جزءا أصيلا من قوة دفع الطاقة بشكل عام. ورغم الرغبة الطبيعية لكل الدول في امتلاك النفط الصخري، فإن كثيرا من المعوقات لا تزال قائمة في هذا المجال.
وشكوى حاكم ولاية داكوتا الشمالية، تلقى آذانا صاغية من جانب المقبلين على النفط الصخري في العالم. قد لا تثنيهم عن ذلك، ولكنها بالتأكيد تدفعهم لمزيد من الدراسات والحسابات المستقبلية. فإذا كانت جدوى النفط الصخري حاليا مقبولة بحكم الأسعار العالمية للنفط التقليدي، فإنها لن تكون كذلك عندما تنخفض الأسعار، لأسباب عديدة في المستقبل. ربما بتراجع الطلب، أو بزيادة المعروض. فأسعار النفط من أكثر أسعار السلع حساسية لأي شيء. فبمجرد الإعلان (مثلا) عن اتفاق بين الحكومة الليبية والمتمردين الليبيين الذي يسيطرون على بعض المناطق النفطية، هبطت أسعار النفط في الأسواق العالمية بمعدل ثلاثة دولارات تقريبا في غضون يومين فقط. ومع عودة إيران إلى التصدير بصورة أكبر، وتحسن أداء المصافي والحقول النفطية العراقية، صارت الضغوط على الأسعار كبيرة. صحيح أن سعر النفط الأحفوري في الراهن عادل، لكن متى كان السعر العادل دائما في تاريخ هذا النفط؟
هنا تطرح الأسئلة حول مستقبل النفط الصخري. في حين أن كثيرا من الجهات، لا تتوقع أن تهبط تكاليف إنتاج هذا النفط في المرحلة المقبلة. لأن التقنيات لا تزال في بدايتها، ولأن كثيرا من الخطوات ينبغي أن تتخذ، وهذه الخطوات ببساطة تحتاج إلى مزيد من الوقت. ومع شكوى أمريكية واقعية تتعلق بكل شيء تقريبا، بما في ذلك تأثيرات سلبية هائلة في الطبيعة الزراعية في المناطق المستهدفة. يرى الواقعيون أن هذا التطور الجديد في عالم الطاقة لا يمكن تجاهله، ولكن في الوقت نفسه يحذرون من تبعات ما يمكن وصفه بـ "تخبط التطور". لا تزال تقديرات احتياطي النفط الصخري، مجرد تقديرات غير مؤكدة، بل إن مراكز أبحاث مستقلة تؤكد أن هناك مبالغة في التقدير المطروح بحدود 345 مليار برميل على المستوى العالمي. وحتى لو افترضنا أن هذا الرقم حقيقي، فإنه لا يشكل سوى 10 في المائة من الاحتياطي الدولي للبترول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي