القيصر بوتين والمتردد أوباما .. تقاطع المصالح ولعبة التحدي

سيكون صعبا على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدي الولايات المتحدة و(الغرب)، لو لم يكن رئيساً كباراك أوباما في البيت الأبيض. ستكون حساباته أكثر دقة، وأشد واقعية، بصرف النظر عن المشاعر "القيصرية" التي تسيطر عليه، وأيضاً بغض البصر عن أحلامه التي يصعب تحقيقها، بتوازي القوتين. فحتى في عز مجد الاتحاد السوفياتي، كانت الكفة دائماً لصالح الولايات المتحدة والغرب، إذا ما وضعنا في اعتبارنا كل الأدوات الصانعة للقوة، بما في ذلك الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية للشعوب كلا الطرفين. فالقوة لا تحسب بقدرة السلاح فقط، إلا إذا كان الصراع بين عصابات. وبوتين "المستسفيت" – نسبة للاتحاد السوفياتي - يعرف ذلك تماماً، ويعرف أيضاً، أن دولة كالولايات المتحدة تملك من أدوات القوة بما لا يمكن مقارنته ببلاده.
لكن المسرح بات خالياً، بل أصبح ملعبا، وأوباما فضّل حالة موظف كبير في دولة كبرى، بدلاً من أن يكون رجل دولة! اختار الأسهل، ولكن ليس الأصح. ولو كان هارولد ويلسون رئيس وزراء بريطانيا الراحل حاضراً، لشعر بالصدمة. لقد قال هذا الأخير يوماً "أنا خارج بلادي رجل دولة، وداخلها مجرد موظف". وفي المقابل، وجد بوتين المغامر الحالم، خشبة المسرح جاهزة، بعد "بروفات" هنا وأخرى هناك. وفي ظل هذه الأجواء، يظهر العديد من المغامرين، والكثير من الحالمين بالمغامرة. فلا رادع حاضراً في الأجواء.
بالتأكيد هناك مصالح بين الجانبين، ترتبط بمصالح أخرى عالمية وإقليمية متشعبة، وعليهما حمايتها، والوصول إلى أقرب نقطة من تقاطعها. غير أن ما يحدث حالياً في "الصراع" الروسي - الأمريكي، لا دخل له بالمصالح بمفهومها الثابت، بل بحالة غير متوازنة، تخلق بالضرورة لاعبين غير متوازنين. والدوافع خاصة، بل لنقل شخصية. دون أن ننسى، أن المؤسسات التي يحكمها بوتين، باتت في قبضته منذ رئاسته الأولى للبلاد. ونجاح لعبة تبادل المناصب في موسكو، عززت بقوة هذه القبضة. فلا غرابة، أن يعتبر المسؤولون الروس، موافقة برلمان بلادهم اتفاق ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية، تحصيل حاصل، حتى قبل عرض الاتفاق على البرلمان.
لا تشابه بين مصالح تقوم على أساس استراتيجي، وأخرى دافعها شخصي. مرّ في التاريخ كثيراً من هذه المصالح الأخيرة، جلبت الخراب لأصحابها وللعالم أيضاً. ولو اعتبرنا أن ما يجري حالياً بين موسكو وواشنطن هو صراع، فإنه صراع قائم في الأساس على لعبة التحدي. والمفارقة أن هذه اللعبة من جانب واحد، وهو الجانب الأكثر دراية بها. من خلال هذه اللعبة، أراد بوتين أن يكرس نفسه كرجل دولة. ولكن على الجانب الأمريكي أحب أوباما أن يحول مكانته من رجل دولة إلى مجرد موظف. والفارق شاسع بين الوضعيتين. ولأن الساحة متاحة، فلم يجد بوتين أي حرج في حشد أكثر من 100 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا. وعلى الرغم من أنه لا يوجد عاقل واحد يريد مواجهة بين دولتين نوويتين، فقد كان الرد الأمريكي أقل بكثير من هول التحرك.
كثيرون يسألون. هل سيكون الأمر كذلك لو كان شخص غير باراك أوباما يحكم البيت الأبيض؟ إذا ما استعرضنا حالات رئاسية أمريكية سابقة ليست بعيدة عن حالة أوباما، فإن الجواب سيكون بالنفي. إن المسألة برمتها لا ترتبط بالمصالح، بقدر ارتباطها بطبيعة حماية هذه المصالح. وإلى جانب ذلك، بالوسائل الكفيلة بتحقيق أفضل صون لهذه المصالح. وهنا تأتي مسألة الاجتهادات والرؤى، والطبيعة الشخصية لصانع القرار. المطلوب ليس المغامرة، بل ما يمنع المغامرات، خصوصاً تلك التي تهدف إلى تحقيق أهداف شخصية من خلال قضايا عامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي