متى تنهار أسعار الأراضي؟
أود التمهيد بنقطتين أساسيتين. الأولى أن المقال قراءة مختصرة للواقع في المملكة العربية السعودية عامة، وفي المدن الكبرى خاصة، بصورة حيادية، ومن ثم فأرجو ألا يفسر على أنه رغبة أو عدم رغبة في الانهيار. الثانية أن المقصود المستوى العام للأسعار، وليس عن انخفاضات (أو ارتفاعات) حادة خاصة ببقاع أو أماكن بعينها لظروف خاصة بها. وللتوضيح، انهيار الأسعار يعني انخفاضها انخفاضا عاما وحادا، مثلا بنسبة في حدود الثلث، أو تزيد.
كتبت تحت عنوان "متى تنهار أسعار العقارات" في هذه الجريدة بتاريخ 2011/10/10. طبعا حدثت تطورات خلال هذه المدة، على رأسها الأمر الملكي قبل سنة تقريبا، والمعروف لدى الناس بأرض وقرض، وقرار مجلس الوزراء بالدعم الإسكاني قبل نحو ثلاثة أشهر. هذه التطورات جعلت البعض يتوقعون انهيارا عاما لأسعار الأراضي في المملكة عامة وفي المدن الكبرى والأراضي السكنية خاصة. وهناك آخرون لا يشاطرونهم الرأي.
عبارة أتوقع الانهيار أو لا أتوقعه عبارة ناقصة أو غير دقيقة دون تحديد الوقت .. لماذا؟ تمر الأسعار ومنها أسعار الأراضي بفترات استقرار نسبي وفترات ارتفاع وفترات انخفاض، اعتمادا على عوامل، يصعب علينا تعميمها لكل وقت.
مختصر التوقعات خلال بقية هذا العام والعام القادم استبعاد حدوث انهيار. هناك عوامل تعمل على انهيار أسعار الأراضي، لكن من المستبعد وقوعها خلال هذه المدة. ما هذه العوامل؟ سأذكر أهمها في نظري.
انهيار أسعار النفط لمدة طويلة
أتعجب حين يتعجب بعض الناس من الربط بين أسعار النفط وأسعار الأراضي. أسعار العقار تابعة بدرجة عالية جدا (ودون إغفال عوامل أخرى) لأسعار النفط ومن ثم إيراداته، لأن النفط هو مصدر دخلنا الأول. وتشكل إيراداته نحو 90 في المائة من دخل وإنفاق الدولة، وإنفاق الدولة هو المحرك الأكبر للاقتصاد، وهو مصدر السيولة الأول في الاقتصاد.
نحن لا نشهد أوضاعا أو علامات على تدهور أسعار النفط. بل نشهد علامات تدل على استمرار أسعار النفط عالية، ومن ثم قوة الإنفاق الحكومي مستمرة هذا العام والعام القادم. ومن المتوقع أن يبلغ الإنفاق الحكومي هذا العام قرابة تريليون ريال، مقارنة بنحو ربعه قبل نحو عشر سنوات.
طبعا ينتقل تأثير إيرادات النفط من خلال الإنفاق فزيادة العرض النقدي. ووفرة أو توسع العرض النقدي وقود التضخم ووقود المضاربات. يحدث هذا رغم تسرب بعض أموال البلاد إلى الخارج نتيجة قوة الاعتماد على الأجانب. وتدل بيانات العرض النقدي على توسع العرض النقدي بنسبة نمو عالية تقارب 20 في المائة سنويا خلال السنوات 2004 ـــ 2013. ولو لم يكن هناك تسرب إلى الخارج لكان العرض النقدي أعلى كثيرا.
لو انهارت أسعار النفط (قل مثلا انخفضت إلى نحو 60 دولارا للبرميل) واستمرت على ذلك سنوات، أي فترة طويلة، لانهارت أسعار الأراضي في بلادنا. لكنني استبعد حدوث ذلك، على الأقل في الأجل المنظور.
فرض الضرائب على الأراضي
تملك الحكومات سياسات موجهة، بإمكانها التأثير في العرض والطلب الإسكاني أو العقاري عامة. أذكر من هذه السياسات فرض الزكاة أو الضرائب على الأراضي.
ترتبط نظرية فرض ضرائب على الأراضي بفكرة الأجرة أو الريع الاقتصادي. وتتلخص الفكرة أن ملاك الأراضي يتسلمون ريعا أو دخلا من الأرض يتجاوز الحد الأدنى اللازم الذي يدفعهم للبيع. ذلك لأن الرغبة في شراء اِلأرض تحددها قيمة التطوير النهائي للأرض ناقصا تكلفة التطوير. ومن جهة أخرى، ارتفاع أسعار الأراضي يعود لتغيرات وتطورات في الاقتصاد، ساهم فيها الآخرون وليس ملاك الأراضي.
ستنهار أسعار الأراضي عند فرض ضرائب معتبرة عليها (مثلا أن تفرض عليها نسبة زكاة عروض التجارة)، بافتراض جدية في التطبيق.
زيادة العرض من الأراضي أو الإسكان الحكومي زيادة معتبرة
تبلغ الاحتياجات الإسكانية قرابة ربع مليون وحدة سنوية – المصدر خطة التنمية الحالية التاسعة. لو افترضنا جدلا أن الحكومة وأجهزتها المختلفة وفرت نسبة معتبرة أي كبيرة من هذه الاحتياجات، لنقل مثلا لو قدرت على بناء / توفير، قرابة 100 ألف أرض أو وحدة سكنية سنويا، وبأسعار (بيع أو تأجير) مدعومة أي في متناول دخول أغلبية الناس، لضعف الطلب على الأراضي السكنية ضعفا شديدا. هذا الضعف يؤدي إلى انخفاض حاد في أسعار الأراضي السكنية. واقعا الموفر سنويا بدعم حكومي لا يزيد على ثلث هذا الرقم.
ماذا عن تأثير السيولة المتجهة لسوق الأسهم؟
يشهد سوق الأسهم نموا ملحوظا. وتوجه جزء كبير من السيولة إلى سوق الأسهم يعني بالضرورة انخفاض واضح في السيولة المتجهة إلى سوق العقارات، إلا في حالة نمو قوي في السيولة فقد تتجه إلى كلا السوقين في وقت واحد.
السيولة ليست في نمو قوي منذ العام الماضي. ذلك لأن أوضاع الدخل النفطي والإنفاق الحكومي في استقرار منذ عام 2013، أي أن النمو الحاد في إيرادات النفط فإنفاق الحكومة متوقف. ونظرا لشدة اعتماد اقتصادنا على النفط، فهذا يعني بالضرورة توقف نمو السيولة أو نموها نموا ضعيفا نسبيا. ومن ثم فالسيولة المتجهة إلى العقار في انخفاض نسبي. ولكن من المستبعد أن يكون هذا الانخفاض كبيرا بحيث يتسبب في انهيار أسعار الأراضي. الناس ترى أن العقار أكثر أمانا من الأسهم، ومن ثم من المستبعد وجود نزوح كبير للسيولة من سوق العقار إلى سوق الأسهم.