وزير.. متميز

لكل وزير نهجه وأسلوبه القيادي ورؤيته وتطلعاته في تسيير شؤون وزارته. ومن المهم في دولة نامية كالسعودية وهي تسعى نحو تطوير الأداء الحكومي رصد الحالات الإدارية المتميزة وتوثيق التجارب الناجحة. فالتطوير الإداري لا يأتي من فراغ وإنما يصنع من تجارب يخوضها قياديون متميزون يملكون نيات صادقة وطموحات عالية وأفكارا إبداعية وجرأة وجسارة في سبر أغوار المستقبل المجهول والوصول إلى حدود جديدة لم يصل إليها أحد من قبل. وهم بذلك يتحملون المخاطرة بسمعتهم المهنية ويضعون أداءهم على المحك ويجازفون بمناصبهم ويواجهون أعداء النجاح من كل حدب وصوب. هؤلاء قياديون من الطراز الأول، قياديون يسعون للتطوير والتغيير للأفضل لا يستكينون ولا يحبذون المكوث في منطقة الراحة والإبقاء على الأمور على ما هي عليه. همهم دائما البحث عن الأفضل ونقل المجتمع إلى مستويات أعلى من التحضر والتطور. وما يؤكد تميز هؤلاء القياديون الأفذاذ هو سعيهم للتطوير والتفكير خارج المألوف في ظل ثقافة تنظيمية حكومية تدعو للرتابة والنمطية وعمل المعتاد. حتى أن تقويم الأداء يعتمد بشكل رئيس على مدى تطبيق الإجراءات الروتينية الورقية وليس التأثير النهائي الإيجابي في المواطن وتحقيق المنفعة المجتمعية. إن ما يجعل هؤلاء القياديين متميزين هو تمتعهم بنفسية سليمة صحيحة لا يشوبها كبر ولا استعلاء ولا أنانية ضيقة وإنما عقليات ذات أفق أرحب وثقافة عميقة وقدرة تحليلية وتطلعات وهمم عالية وتجذر روح التعاون والمشاركة يجعلهم يستشعرون حاجات الناس ويحسون همومهم ويسعون جاهدين من أجل مصلحتهم. هكذا يرون الأمور بوضوح وبساطة لا يحجبها عقد نفسية ولا يغرهم بريق المنصب ولا ينساقون وراء المظاهر الاحتفالية الخادعة. هؤلاء القياديون يضيفون للمنصب ولا يضيف لهم، ويرون سلطة المركز كعامل تمكين لخدمة الناس وإحداث التغيرات المطلوبة وليس للتسلط والتجبر والإكراه. إن إيمانهم بأن الطاعة شريك السلطة يجعلهم يرون أن مصدر السلطة من أسفل وليس من أعلى! ولذا يعتمد أسلوبهم القيادي على المشاركة والتعلم والتواصل لتوسيع نطاق القبول لدى الآخرين وبالتالي توسيع دائرة تأثيرهم بأكثر مما يمنحهم المنصب. وهم بذلك يتمكنون من إحداث تغيير عميق وشامل ودائم لا يستطيعه غيرهم! إنه تواضعهم وبساطتهم سر نجاحهم وقوة تأثيرهم!.
من بين القيادات الإدارية المتميزة يبرز الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة الذي تمكن في مدة وجيزة من إحداث فارق في مجال التجارة والصناعة. لقد تبنى أفكارا جديدة صاغها خططا وسياسات وإجراءات دقيقة والتزاما تاما بتنفيذها بمهنية وحيادية وموضوعية. فجهوده ونشاطاته وسعيه واضح في الموازنة بين حماية المستهلك وتحفيز المستثمر من خلال تطوير البنية التنظيمية لقطاعي التجارة والصناعة بما يخدم الصالح العام. واللافت للنظر في قرارات الوزير الشاب أنها تأتي لمعالجة وتصحيح أوضاع يعايشها المواطن العادي "الحلقة الأضعف في المنظومة الاقتصادية" في حياته اليومية، وليست قرارات فوقية شكلية للاستهلاك الإعلامي. يقع في جوهر نهج الوزير حماية الحقوق العامة وسعيه إلى التصدي لكثير من القضايا التي تركت دون تنظيم وقرارات حاسمة وحازمة وهو أمر يثير الإعجاب والاطمئنان في نفوس المواطنين. والأمثلة على الأنشطة التي قام بها الوزير كثيرة منها ما يتعلق بالعلاقات المالية مثل الشيكات دون رصيد، ومنها ما يتعلق بالسلامة العامة مثل الأعطاب المصنعية للسيارات، وكذلك تنظيم قطاع التجزئة وسوق المساهمات العقارية وحقوق المستهلكين. وغيرها الكثير الذي لا يتسع المجال لذكره، وما يهم في هذا الصدد هو توضيح عزم الوزير وتوجهه نحو التصدي للقضايا التي تهم الناس وتعزيز هيبة السلطة العامة وتوظيفها في حماية المستهلكين حتى أصبح التجار يحسبون ألف حساب للمستهلك.
وأهمية ما يقوم به هو أنه يأتي ضمن إطار المنفعة الجماعية التي لا يمكن للمواطنين القيام بها فرادى بل تستلزم رؤية مشتركة وقرارا جماعيا بسلطة عامة. كما أن ما يميز نشاط الوزير هو تصديه لقضايا مجتمعية حساسة ظلت ردحا من الزمان مسكوتا عنها بسبب انكفاء كثير من الأجهزة الحكومية على ذاتها وسيطرة ثقافة الاستحواذ والحصول على أكبر قدر من المخصصات المالية والموارد البشرية من أجل الانتفاخ البيروقراطي وتحقيق مصالح الجهاز حتى لو كانت على حساب المواطن الذي أنشئ الجهاز من أجله. وأحسب أن ما قام به الوزير هو وضع نفسه مكان المواطن وطرح التساؤل: ماذا أريد لو كنت مراجعا للوزارة؟ سؤال محدد وواقعي وعملي، وفي الإجابة وجد أنه يستطيع تحديد أولويات الوزارة التي هي أولويات المواطن البسيط والمستثمر النافذ على حد سواء.
وكذلك التمكن من التعرف على الموضوعات والقضايا الحرجة ذات التأثير الكبير في قطاعي التجارة والصناعة التي تتطلب سرعة الإجراء والتنفيذ. هذا النهج العملي مرده في ظني أن الوزير فهم الغرض الحقيقي من منصبه وهو خدمة الناس وليس الجهاز البيروقراطي. فالقصد من السلطة العامة حفظ حقوق الأفراد وتحقيق الصالح العام لجميع المواطنين. والجهاز الحكومي بما يملكه من قوة النظام والخبرة والدراية الأقدر على معرفة ما ينفع وما يضر والمسؤول سياسيا ونظاميا عن إدارة المجتمع بجلب المنفعة ودرء المفسدة. ولذا يضع الناس ثقتهم الكاملة بالجهاز الحكومي فسلامتهم وصحتهم وأموالهم وتعليمهم مرهونة بما تتم إجازته ويرخص له من قبل الجهاز الحكومي.
وإذا كانت السياسة العامة هي ما تقرر الحكومة أن تعمله وما لا تعمله، فإن سماح أو تشجيع أو منع أو حظر أو عدم اتخاذ أي فعل من قبل الجهاز الحكومي المعني سيكون لها تأثير كبير في سلوك وقرارات الأفراد والمؤسسات في المجتمع. وهذا يعني أن الأجهزة الحكومية مسؤولة بشكل كامل ومباشر عن أفعالها وقراراتها، حتى في حالة السكوت وعدم اتخاذ أي إجراء حيال أي مستجد أو ظاهرة أو مشكلة لأن ذلك يؤثر في مصالح الناس. فعلى سبيل المثال لو تم استيراد سلعة فاسدة تضر بالصحة أو السلامة العامة فإن العموم سيقومون بشرائها على افتراض أنه تم فسحها من قبل الجهات الرسمية المعنية بسلامة المواطنين وصحتهم، لكن ما يحدث هو أن هذا الافتراض لا يصح في جميع الأحوال لأن الجهاز الحكومي لم يقم بما يجب عليه وبالتالي يقع ما يهدد صحة العموم وسلامتهم. لقد نجح وزير التجارة والصناعة في إعادة الثقة إلى حد كبير في دور الوزارة كحام للصالح العام بتبني ثقافة جديدة في الخدمة الحكومية وهو أن تبحث الخدمة عن المواطن وليس العكس. وهو ما يأتي منسجما مع أدبيات الإدارة العامة الجديدة التي تشير إلى أهمية النظر للمواطنين كعملاء يجب إرضاؤهم وهذا يعني توفير الخدمة بالجودة والنوعية والكمية والتوقيت المناسب. أن الحديث عن هذه التجربة الإدارية المتميزة وغيرها أمر مهم وضروري يفيد في تطوير الأداء الحكومي إلى مستويات أعلى بتأسيس لثقافة وأسلوب عمل جديد مبني على المبادرة والأفكار الإبداعية والتفكير خارج الصندوق وتسخير التنظيم البيروقراطي في خدمة المواطن وليس العكس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي