.. وبعدين؟
في إحدى الأسواق توقفت عندها، امرأة سعودية في السبعين من عمرها، كانت تعلق الأثواب الشعبية التي تبيعها بشكل احترافي جميل، وترص بضاعتها من إكسسوارات ومشغولات يدوية على طاولة كبيرة، وتتعامل مع زبوناتها بروح إيجابية دفعتني إلى أن أفتح معها حواراً كعادتي في التنقيب عن قصص الناس المكافحين التي تستهويني بشكل كبير، وأجد متعة كبيرة في الاستماع لها من أصحابها مباشرة.
تقول "أم حسين": تطلقت من زوجي بعد زواج دام 25 عاماً أنجبت خلالها سبعة أبناء، كان زوجي مُدمناً للخمر، أذاقني من مرارة الحياة ونكدها ما جعلني أصاب بالاكتئاب والضيق دائماً، كان عصبياً شرس الطباع، وكان أهل الحي بأكمله يسمعون عويلنا وهو ينهال علينا ضرباً، وتكسيراً للأثاث، تجرعت الصبر على أمل إصلاحه، لكن ــ مع الأسف ــ لم يحدث ذلك.
قررت طلب الطلاق منه، وعارضني أهلي وجيراني ومجتمعي، وحذّروني من عواقب هذا القرار، وأنني سأفشل في إعالة نفسي وأبنائي السبعة، لكن "النار ما تحرق إلا رجل واطيها"، تطلقت منه وجلست عالة على أهلي خمس سنوات كانت حياتي خلالها دراما حزينة، إلى أن حدث موقف معين جرح كرامتي وإنسانيتي .. ووجدتني أسأل نفسي: وبعدين؟
وقررت أن أعمل، وعارضني الجميع، لكن هذه المرة كنت عازمة على النجاح وألا أسمح لأي أحد كان أن يمتهن قدري وقدر أبنائي ويشعرنا بأننا عالة ولا نفع لنا في المجتمع!
بدأت "ببسطة" صغيرة كان رأسمالها قطعة ذهب أخيرة كنت أملكها، كنت أخرج عصراً ولا أعود إلا الساعة العاشرة ليلاً، واجهتني الكثير من الصعوبات في البداية لكني توكلت على ربي ولم أستسلم.
يوماً بعد يوم كانت أرباحي تزيد، وبضاعتي تصبح معروفة ومطلوبة، وأصبحت قادرة على التكفل بكامل احتياجات أبنائي واستئجار منزل يحفظ كرامتنا وآدميتنا.
من فضل الله تعالى، ثم من هذه "البسطة"، زوّجت أبنائي جميعاً واشتريت قبل خمس سنوات منزلاً واسعاً لي ولأبنائي وأحفادي، ولن أتوقف عن العمل الذي أعشقه.
وخزة للمتذمّرين
هناك حكمة صينية قديمة تقول "لا تقف بجانب النهر وتحلم بالحصول على سمك، عُد لبيتك واصنع شبكة صيد".