كيف تصبح نجما بارزا؟
أسرع طريق للوصول إلى عالم النجومية في أحد المجالات، كالإدارة أو الاقتصاد أو الاستثمار أو السياسة، يتم من خلال المجازفة والقبول بجرعة عالية من المخاطرة. وكلما ازدادت حدة المخاطرة التي ينتهجها الشخص، ازداد معها مقدار النجومية الممكن الوصول إليها، وفي الوقت نفسه ازداد حجم الفشل الممكن الوقوع فيه. وعلى الرغم من تفاوت درجات الخوف من الفشل من شخص لآخر، إلا أن الخوف من الفشل هو السمة الغالبة لدى كثير من الناس، ما يؤدي غالبًا إلى القبول بالوضع الراهن بدلاً من المراهنة على نجومية ضاربة أو فشل ذريع. هذا هو المسار الطبيعي نحو النجومية، التي نقصد بها النجاح أو الثراء أو الشهرة الاجتماعية أو غيرها من الصفات المطلوبة.
لا يوجد مقياس مطلق وموضوعي للنجاح، حتى إن تمثل ذلك في ثراء ظاهر أو شعبية عالية، والسبب يعود لكون النجاح رأيًا شخصيًّا يمنحه شخص أو عدة أشخاص لشخص آخر بناء على انطباعات معينة أو اعتقادات معينة أو- وهذا هو موضوع المقالة- بناء على خطأ في تفسير ما ظهر من مشاهدات وأحداث بحق الشخص، جعلت الناس يؤمنون بنجاحه دون إدراك لحجم الخطأ الذي وقعوا فيه.
خذ مثالًا على ذلك مسؤول حكومي خاطر في قرار اتخذه، فجاءت النتائج لصالحه بسبب تكالب عدد من الظروف والمصادفات لصفه، وهي التي كان بالإمكان أن تأتي ضده، ولكن لحسن الحظ جاءت في صفه. هنا يصبح هذا المسؤول نجمًا بارزًا يحسب له ألف حساب، يرقّى إلى وظائف عليا ويمنح أعلى الأوسمة. علاوة على ذلك يأتي من يسترجع بطريقة انتقائية قرارات سابقة لهذا المسؤول ويستشهد بها كأدلة قاطعة لنجاح الشخص وحنكته. ولن يُسمع صوت من يشكك في نجاح هذا المسؤول أو من يشير إلى مقدار المجازفة التي تم انتهاجها ومقدار الفشل والخسائر التي كاد أن يتكبدها. ما يحدث غالبًا- وليس دائمًا- لمثل هذا الشخص هو أن يصطدم بمبدأ بيتر الشهير، نسبة إلى لورنس بيتر الذي استحدث هذا المفهوم في عام 1969، ويقول فيه إن المطاف ينتهي بالشخص في وظيفة لا يستطيع أداءها. ينطبق مبدأ بيتر بشكل عام على جميع الناس، حتى إن كان النجاح الذي ارتقى بالشخص نجاحًا مستحقًّا مبنيًّا على أسس قوية، فما بالك عندما يكون النجاح نتيجة خطأ في التقدير، أو بسبب عشوائية طبيعية نراها في كل شيء حوالينا، وهي عشوائية من منظورنا كبشر، وهي ليست كذلك في منظور الخالق عز وجل، الذي لم يخلق السماء والأرض وما بينهما باطلاً. أطوال الناس وتفاوت درجات الذكاء والشعور بالسعادة ونتائج الامتحانات ووزن حبيبات القمح جميعها مبنية على أسس لا يعلم أسبابها إلا الله سبحانه وتعالى، أفضل ما نستخلصه منها أنها تتبع التوزيع الطبيعي للبيانات أو غيره من التوزيعات الإحصائية. ألا تلاحظ كيف أن تحليل مباراة في كرة القدم في اليوم التالي يختلف اختلافًا جوهريًّا لو أن الحظ حالف أحد الفريقين في تسجيل هدف من عدة فرص مهدرة لكلا الطرفين؟ كيف يتحول التحليل إلى إيجابي بحت ويشاد بمستوى المدرب واللاعبين والخطط المدروسة وغيرها من عبارات المديح والاستحسان لمجرد أن إحدى الفرص العشوائية تمت ترجمتها إلى هدف؟ وكيف يتحول التحليل إلى سلبي بحت لو أن هذا الهدف الجانح لم يرَ النور؟ كثير من الناس لن يتردد في منح النجومية للمدرب أو لأحد اللاعبين، دون إعطاء عامل الحظ العشوائي أي اعتبار.
على الساحة الرياضية في المملكة، فوجئ الوسط الرياضي في العام الماضي بفريق متواضع من منطقة الأحساء يفوز ببطولة الدوري السعودي بنتائج باهرة. غير أن الفريق ذاته يصارع هذا العام للبقاء في الدوري الممتاز. هنا تلعب عشوائية الحياة دورًا كبيرًا قد لا نفهمه تمامًا.
مثال آخر يتكرر في منتديات التوصيات على الأسهم. تجد في أحد المنتديات عددًا كبيرًا من المشاركين بآرائهم حول مستقبل أحد الأسهم، وعندما يحدث أمر غير طبيعي لأحد الأسهم، تجد من يقوم بمراجعة التوصيات السابقة ليجد أن أحد المشاركين قد كتب في وقت سابق أن سعر السهم الفلاني سيصل إلى حد معين، هبوطًا أو صعودًا. فجأة يصبح هذا المشارك نجمًا كبيرًا ومحللًا بارزًا، كيف لا وهو قد تنبأ بما حدث بالفعل لاحقًا؟ هنا ينسى الشخص الذي أعطى وسام النجومية لهذا المشارك أن المشارك نفسه قد أعطى عددًا كبيرًا من التوصيات والتوقعات ولم يحالف الحظ أيًّا منها. أو ربما يقوم أعضاء المنتدى- لا شعوريًّا- بانتقاء التوصيات الصائبة للشخص والاستدلال بها، متغاضين تمامًا عن توصياته الخاطئة. بل إنه بسبب عدم إدراك المشاركين لمعنى العشوائية، يتناسون أنه من الطبيعي أن تصدق بعض التوقعات بين الحين والآخر، وقيل في ذلك إنه حتى ساعة الحائط المتعطلة تصدق مرتين في اليوم.
ظهر قبل عدة سنوات كتاب شهير للمؤلف الفيلسوف نسيم نيكولاس طالب، من أصول لبنانية، بعنوان المضحوك عليهم بسبب العشوائية، وفيه يتحدث طالب عن عدة أمور لا يلحظها كثير من الناس، بسبب عدم فهمهم معنى العشوائية، وجنحهم لتفسير الأحداث العشوائية على أنها مدروسة ومخطط لها، واعتقادهم أن لكل شيء تفسيرًا، حتى إن لم يكن هناك تفسير حقيقي.
من المؤكد أننا لو استعرضنا نتائج أداء جميع المستثمرين في سوق الأسهم لهذا العام، فسنجد- بسبب التوزيع الطبيعي للحياة- أن هناك من حقق أرباحًا بنسب عالية جدًّا، ربما بنسب تتجاوز 100 في المائة أو أكثر، وهناك من خسر بنسب كبيرة جدًّا، ربما نصف رأس ماله أو أكثر. تخيل ردة فعل كثير من الناس لو قُدر لهم مقابلة أحد الأشخاص ممن حقق نسبة نمو تجاوزت 100 في المائة! سيصبح نجمًا بلا شك، وسيُسأل عن استراتيجيته في التداول، وسيشاد به ويشار إليه بالبنان والحنكة والذكاء، دون إدراك لعامل العشوائية في ذلك، ولا لقدرته على تكرار نتائجه. لقد صنعت العشوائية أبطالًا في شتى المجالات. في كل عام تظهر قائمة أفضل الصناديق الاستثمارية أداء، ويسارع كثير من الناس للتسجيل في الصندوق الذي حقق أعلى النتائج، غير أن قائمة الصناديق الفائزة تتغير في كل عام، تغييرًا جذريًّا.
كثير من المرات يركّز الشخص على النتائج الإيجابية وينسى عواقب الجوانب السلبية الممكن حدوثها، فتجد أن هناك من يقبل بالفوز المتكرر حتى إن كانت جائزة الفوز قليلة في كل مرة وتكلفة الخسارة ضخمة جدًّا! أو العكس من ذلك، القبول بصرف مبالغ صغيرة عدة مرات طمعًا في فوز كبير قد يأتي لاحقًا.
من الممكن أن يصبح الإنسان نجمًا بارزًا بين عشية وضحاها، طالما أن لديه المقدرة على تحمل مجازفة عالية من ناحية، وطالما أن الناس سريعون في تفسيرهم للأمور، دون إدراك لما تعنيه العشوائية في حياتنا. الشرط الأول يعود للشخص نفسه، أما الشرط الثاني فهو متحقق بكل تأكيد.