ما «يخسى» إلا هم

كنت وما زلت مؤمنا بأن أي فريق يحقق لقب بطولة الدوري في أي مكان، ويستمر في المنافسة على بقية البطولات طوال موسم كامل، مدعو لتغيير 40 في المائة من قائمتيه الأساسية والبديلة في الموسم التالي، وأزعم أن هذا الإجراء أحد أسباب الحفاظ على موقعه في السباق، وفيه تسلح بعناصر مفاجئة للمنافسين الذين يتحفزون دائما أمام حامل اللقب في موسم الحفاظ عليه.
.. حاولت جاهدا الترويج لفكرتي في نقاشاتي مع بعض أصدقائي السابقين والحاليين من رؤساء الأندية، فوجدت منهم قناعة بالكلام وتناقضا في الفعل، لم أستغربه البتة، كون بعضهم وليس كلهم اعتدت أن يستمع بإنصات وإعجاب وموافقة حتى يشعرني أني أنا فتى زماني، ثم ينفذ فكرة ألقى بها آخر واحد ودعه البارحة في مجلسه.
.. ما علينا، نعود إلى صلب الفكرة، في رأيي أن أغلبنا يخشى التغيير، وهذا جزء من ثقافاتنا المتوارثة التي ندافع عنها، كل مما يليه منها، المتدين أمام موروثه الديني، يذود عنه بشدة وحماسة لا تضع حدودا دون إقصاء الآخر، والمثقف عن مرجعياته القديمة حتى لو ثبت بالدليل تفوق الجديد، والتقليدي عن تقاليده القديمة وإن جار عليها الزمن وحولته إلى عُزلة اختيارية، ولذلك لم أعد أستغرب أن يجري أغلب رؤساء أنديتنا خلف تجديد عقود كل لاعبيه بلا استثناء، لمجرد أن الجمهور هبّ هبّة واحدة وصاحوا بحروف "تويترية" تردد صداها في كل "هاشتاق" قائلين: تكفى يا أبو فلان لا يأخذون لاعبنا. عندها تسخن شرايين الرئيس وتبدأ الدماء في الانتشار إلى كل أعضائه عدا دماغه، ولسان حاله يرد على جماهيره: ما يخسى إلا هم يأخذونه وأنا أبو فلان. في الزاوية الصامتة من القصة، أتخيل اللاعب -محور الحدث- يتلاعب حاجباه إلى الأعلى بشكل شيطاني وابتسامة النصر تكشف عن ضروسه ولسان حاله يقول: بلعها. وأنا أصدقه، نعم بلعها.
لم أسمع يوما من أي رئيس ناد سعودي تصريحا يقول فيه: هذا اللاعب ليس مناسبا لخططنا المستقبلية، ونتمنى له التوفيق في محطته المقبلة. ولم أسمع يوما من أي رئيس ناد في البلاد تصريحا مفاده: طلبات اللاعب مبالغ فيها وتفوق ميزانياتنا، وسنعوض رحيله باستقطاب بعض المواهب الشابة. وإن كنتم قد سمعتم التصريح الأخير يوما فإن صاحبه ما لبث أن تراجع كعادته وهرول خلف القطيع، فلم تعد تميزه بينهم.
.. بعد كل هذا، يخرج السيد الرئيس المحترم في واحدة من الفضائيات أو الصحف ويطلق نظريته بلا خجل: أسعار اللاعبين السعوديين مبالغ فيها، ولا تتناسب مع قدرات الأندية المالية ولا مخرجات اللاعبين. ترد الاستغراب بسؤال: من رفع الأسعار بشكل مبالغ كما تقول؟ يجيب بسرعة: السباق المحموم وغير المدروس من زملائي الرؤساء. تختم الحوار بسؤال: لماذا تفعل ما يفعلون وأنت غير مقتنع بما تفعل؟ يرد بلا تردد: إن ما أخذناه أخذوه، والجمهور ما يرحم.
أمام ذلك، كنت أقول لأصدقائي السابقين، هناك لاعبون يمكن أن يقبل رفع سعرهم لتبقيهم وهم من لا يعوضون، وهؤلاء لم يعد لهم وجود حاليا، وهناك لاعبون إن غادروا يمكن تعويضهم بسهولة من الأندية الصغيرة، فقط يحتاج الأمر إلى عين فاحصة واختيارات دقيقة ثم صبر على النتائج، وفي مغادرتهم تحقيق لاستراتيجيات بعيدة المدى.
.. في كل مكان في العالم، سعر عقد المهاجم هو الأعلى بين كل العقود، إلا لدينا يريد المدافع مساواته به، والرئيس يقبل، والأسعار تتصاعد بلا مبرر. في كل مكان في العالم لا يوجد لاعب يرحل وينكسر النادي بعده، إلا لدينا وفي خيالات الجمهور وبعض الرؤساء. في كل مكان، تراقب العيون لاعبي أندية الدرجات الأدنى وتستقطبهم إلا لدينا ينتظر الرؤساء ما تكتبه الصحافة عن اللاعبين في تلك الأندية لتبدأ في مفاوضتهم، حتى لا تقرعهم الصحافة ذاتها.
لماذا لا تتغير الأسماء في كرة القدم السعودية منذ سنوات؟، لأننا نخشى التغيير، ونستميت في التمسك بالموجود خوفا من الجمهور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي