ما أبعد وزارة الزراعة عن خطة ذكية
على الرغم من أن مقولة الإنتاج يخلق طلبا لم تزل إلى حد كبير فاعلة، لكن العقود الأخيرة التي شهدت ثورة عظيمة في الاتصالات، خلقت بعدا كبير لما يمكن أن تفعله الأسواق، وما يمكن للفكر التسويقي أن يوجد من طلب. نعم لا يمكن حتى الآن تجاوز فكرة أن الإنتاج يأتي أولا، ذلك أنه لا يمكن إيجاد سوق بلا منتجات، لكن أيضا لم تعد قضية الإنتاج كافية، بل لقد تزامن الأمران معا، والنجاح يقتضي إنتاجا جيدا مع توافر الأسواق وآلية التسويق المتميزة أيضا. فأي صناعة متقدمة اليوم تعتمد على التفاعل الناجح بين الإنتاج والخدمات التسويقية، حتى يصل المنتج إلى المستهلك، ثم تأتي خدمات ما بعد البيع.
في السعودية هناك إنتاج زراعي واعد، لكن لم يصاحبه حتى الآن فكر تسويقي متناسب معه، لذلك لم نستطع تجاوز المشكلة القائمة ومقولة أن المملكة بلد غير زراعي. توجد مشكلات أساسية في الإنتاج الزراعي مثل توافر المياه ومكافحة الآفات الضارة، لكن الإبداع الصناعي قادر على تجاوز كل تلك المشكلات، من خلال اختيار منتجات تناسب البيئة وابتكار أساليب ري تناسب مستويات المياه المتوافرة، لكن هذا الابتكار بدوره يحتاج إلى تمويل، والتمويل يحتاج إلى وعود بالعوائد الجيدة، فرأس المال بطبيعته لن ينجر وراء مثاليات بل وراء عوائد مجدية اقتصاديا مقارنة بجميع البدائل المتاحة، وهذا لن يتحقق للإنتاج الزراعي ما لم تتوافر له عناصر عدة، أهمها إيجاد أسواق واعدة، وابتكار أساليب تسويقية جديدة، سرعة نقل المنتجات إلى الأسواق بطريقة صحيحة تحافظ على جودة المنتجات، وفوق كل هذا مؤسسات تمويل متخصصة ومراكز بحث متطورة سواء في جميع المجالات ذات العلاقة بالزراعة، مثل البحث والتطوير في مجال ابتكار أساليب جديدة في الري، طرق الحصاد، مكافحة الأمراض، تحسين المنتجات، إدارة الأعمال، البحث في التسويق الزراعي وأدواته، ثم أضف إلى كل هذا تسهيلات حكومية واسعة ودعم لا محدود، ليس من خلال التمويل فقط بل من خلال تقديم تسهيلات في النقل، في البريد والشحن، وحتى في المساحات الإعلانية.
هذا ما نحتاج إليه لبناء الخطة الجديدة للتسويق الزراعي التي تسعى إليها وزارة الزراعة، وهو توجه حميد وطريق يحتاج إلى دعم من الجميع وتكاتف من أجل إنجاح خطة الوزارة، فهي ــ حسب تصريح المتحدث الرسمي للوزارة ــ تركز على إرشاد المزارعين للأساليب التسويقية المناسبة للمنتج، والتركيز على سلامة وجودة المنتج الزراعي، والممارسات الزراعية الجيدة، وتطوير تقنيات ما قبل وما بعد الحصاد، وأهمية المواصفات القياسية للعبوات ووسائل النقل بأنواعها. وكل هذا جيد، وكما قلنا، هي خطة طموحة وفي المسار الصحيح وتحتاج إلى تكاتف الجهود، لكن يجب ألا تعتمد الخطة على مجرد إصدار نظام ومحاضرات وورش عمل، بل ترفع مستوى الشراكة الاستراتيجية مع مؤسسات التمويل سواء الحكومية أو الخاصة، ومؤسسات البحث والتطوير، ويجب أن تعمل الخطة على إنشاء مصانع للآلات الزراعية والأجهزة المتقدمة التي تتناسب مع بيئتنا وتقديم الدعم المناسب لها.
المملكة قادرة على إنشاء كيانات زراعية كبرى، أثبتت ذلك من خلال النجاحات التي حققتها عدة شركات زراعية مثل "نادك" و"المراعي" و"الصـــــــافي" وغيرهــــــا، والســــــوق السعودية تنمو بشكل مستمر، فقط نحتاج إلى خطة ذكية واضحة وريادة وتمويل.