غول التضخم يقضم دخول الفقراء والمتقاعدين

يؤثر التضخم أو الارتفاع العام في الأسعار سلباً في الدخول الحقيقية للمعتمدين على الدخول الثابتة، خصوصاً ذوي الدخول المحدودة والمنخفضة من الفقراء وصغار الموظفين والمتقاعدين. ولا يملك محدودو الدخل عادةً إلا القليل من الأصول التي تدر دخلاً عليهم أو تعوضهم عن الدخول الحقيقية المفقودة التي خسروها بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. ويشكل الإنفاق على السلع والخدمات الأساسية كالمواد الغذائية الضرورية، والرعاية الطبية، والسكن، الجزء الأكبر من إنفاق الأسر منخفضة الدخل. وتزداد أهمية السلع الأساسية في إنفاق الأسر مع تراجع دخول الأسر، حيث يتجاوز الإنفاق على الطعام للأسر المعدمة نصف دخلها. وقد لا تملك بعض الأسر الدخل الكافي للسكن في مساكن صحية ولائقة، لهذا تضطر إلى السكن في مساكن لا تتوافر فيها المقومات الصحية للإقامة عند ارتفاع تكاليف المعيشة. وعموماً يؤثر التضخم، خصوصاً في المواد الأساسية، بشكل سلبي وأكثر حدةً في مستويات معيشة الفقراء. فارتفاع معدلات التضخم يقود إلى تراجع قدرة الأسر على تأمين الغذاء والدواء والملابس والسكن، ما يفاقم معاناة الفقراء والمحتاجين في المجتمع. والتضخم أشبه ما يكون بالغول أو الفك المفترس الذي يقضم دخول الفقراء بهدوء ويزيد معاناتهم باستمرار.
وفي المقابل يستفيد ملاك الأصول من الأغنياء من التضخم بسبب ارتفاع أسعار الأصول وارتفاع أسعار السلع والخدمات التي يبيعونها. ويقود التضخم بهذا إلى تراجع العدالة في توزيع الدخول والثروات بين الشرائح السكانية في الدول والمجتمعات. وقد يقود التضخم في حالة تفاقمه إلى ازدياد التوترات الاجتماعية والسياسية، ما يؤثر سلباً في استقرار المجتمع، خصوصاً إذا لم تتخذ السلطات المسؤولة الخطوات اللازمة للحد من التضخم والتصدي لآثاره السلبية على الفقراء ومحدودي الدخل. وتحاول دول العالم جاهدةً التصدي للتضخم وآثاره من خلال عديد من السياسات النقدية والمالية، لكن نجاح هذه السياسات مرهون بعوامل متعددة، وقد لا تكون مثمرة في التصدي للآثار المدمرة للتضخم.
ويوفر عدد كبير من دول العالم، خصوصاً المتقدمة، شبكات الحماية أو التأمينات الاجتماعية التي توفر حدودا دنيا من الحماية للفقراء والمحتاجين وكبار السن. وتدرك هذه الدول الآثار المدمرة للتضخم في دخول الفقراء وكبار السن من شبكات الضمان الاجتماعي والتقاعد. ولتلافي هذه الآثار تربط الدول المتقدمة حجم المنافع من هذه الشبكات بمؤشرات معينة للتضخم. فهذه الولايات المتحدة مثلاً تربط مخصصات كبار السن الأساسية من شبكة الأمن الاجتماعي أوSOCIAL SECURITY بأحد مؤشرات ارتفاع تكاليف المعيشة، وهو مؤشر تكاليف المعيشة للعاملين بأجر والموظفين المكتبيين. ويختلف هذا المؤشر قليلاً عن المؤشر العام لتكاليف المعيشة، لكنه قريب من مستوياته. وارتفع هذا المؤشر بمتوسط سنوي بلغ نحو 4 في المائة، ورفعت معه المنافع بنسب التغير السنوية منذ عام 1974. وتضاف علاوة التضخم السنوية في الولايات المتحدة إلى مخصصات التقاعد الأساسية في بداية السنة وتحسب على أساس تغير المؤشر في الربع الثالث من العام السابق على نظيره من العام الذي قبله. وتربط الدول الأخرى مخصصات التقاعد الأساسية بمؤشرات التضخم وقد تختلف بعض الشيء في تحديد مقادير الزيادة، لكنها تعوض عادةً المستفيدين عن الخسائر في الدخول الحقيقية الناتجة عن معدلات التضخم.
وعلى الرغم من أن معدلات التضخم الرسمية في المملكة منخفضة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إلا أنها أثرت سلباً في الدخول الحقيقية مع مرور الزمن وأدت إلى تراجعها، ما خفض قيمة مخصصات الضمان الاجتماعي ورواتب المتقاعدين الحقيقية. وتركزت زيادة الأسعار في الآونة الأخيرة في المواد الغذائية والسكن، ما يعني تفاقم تأثير التضخم في أصحاب الدخول المتدنية. وارتفع الرقم القياسي لتكاليف المعيشة بنسبة 6.5 في المائة في شباط (فبراير) 2014 مقارنةً بنظيره في عام 2011، وهو الشهر الذي شهد آخر زيادات في منافع الضمان ومعاشات التقاعد. إن تراكم تأثيرات التضخم السلبية في دخول العائلات منخفضة الدخل حتى لو كانت معدلات التضخم منخفضة، يستدعي ضرورة ربط منافع الضمان الاجتماعي ومخصصات التقاعد لموظفي الدولة والتأمينات الاجتماعية بمؤشرات التضخم المناسبة، وذلك لتعويض مئات الآلاف من الأسر عما فقدوه من دخول حقيقية، خصوصاً أن نسبة كبيرة من هذه العائلات منخفضة الدخل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي