تصنيف المملكة.. الإنفاق استثمارا لا صرفا

المتابع لحراك الاقتصاد السعودي بصيغته الشاملة المستدامة، لن يستغرب خطوة وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني برفع تصنيف الديون السيادية الطويلة الأجل للمملكة بالعملتين المحلية والأجنبية إلى AA. كل المعطيات تدل على أن هذا الاقتصاد ماض بخطوات ثابتة وواقعية، يستهدف وضعية مختلفة عما كان عليه في السابق، وضعية لا علاقة لها بالآمال، بل بالمنجزات التي تتحقق ضمن ما هو موجود. ولأن اقتصادات كثيرة في هذا العالم، كانت تسعى إلى منجزات بأدوات وهمية، أو في أحسن الأحوال غير واقعية، فقد أصابتها الأزمات، والكساد، والركود. بعض هذه الأزمات كانت قوية إلى درجة لم تتمكن الاقتصادات المشار إليها من التغلب عليها. وبعضها الآخر قد ينتهي، ولكن ليس قبل أن يمر بكل المحطات المؤلمة.
وحسب المعطيات الجديدة، فقد تفوقت السعودية على دول كبرى مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية وإيطاليا، على صعيد القدرات السيادية المالية والائتمانية وما يرتبط بها. وهذا يؤكد مجدداً، أن الثوابت الاقتصادية التي سادت طوال 70 عاماً على الأقل، لا معنى لها، في عالم متجدد متغير، رفعت الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى الأخيرة من وتيرة تغيره وتجدده. وتصنيف السعودية الجديد، لا ينتقص "بالطبع" من مكانة وقدرات البلدان التي حلت بعدها، ولكن يكرس حقيقة التغيير على الساحة العالمية، إلى جانب أنه يعكس عمق ونجاعة الاستراتيجية الاقتصادية التي أطلقتها المملكة، ليس فقط من أجل التنمية، بل من جهة بناء اقتصاد جديد تماماً، بمفاهيم جديدة، وبالطبع بأدوات جديدة أيضاً، بمصادر باتت تشكل ثقلاً واضحاً في عملية التحول هذه، وفي تنفيذ الاستراتيجية المذكورة.
في العام الماضي، أعلنت حكومات الدول الكبرى، أن حكومة المملكة هي الوحيدة التي أوفت بتعهداتها التنموية كاملة، بين كل الدول المنضوية تحت لواء مجموعة العشرين. وهذا وحده يعد تصنيفاً هائلاً. فالدول التي اعترفت بهذه الحقيقة، هي نفسها لم تصل إلى مستوى المملكة في الإيفاء بما تعهدت به. وهذه التعهدات ليست فقط التزامات السعودية الخارجية، بل التزاماتها المحلية أيضاً. ولهذا السبب تسير الخطة الاقتصادية الداخلية بخطوات عملية منتجة، بعد أن تم توجيه الإنفاق العام إلى البنى الأساسية ومشاريع التنمية في كل المجالات، ولا سيما التعليمية والصحية والخدماتية والمواصلات وغيرها، إلى جانب التنمية المحورية، وهي البشرية. وكان التعاطي مع الفوائض المالية الهائلة في المملكة، العامل الأهم في تحقيق الأهداف المطلوبة هدفاً.. هدفاً. لقد أصبح الإنفاق استثماراً لا صرفاً فقط.
هناك عوامل كثيرة دفعت بتصنيف السعودية إلى الأعلى، وفي مقدمتها السياسات النقدية المتوازنة. وهذه السياسات تتضمن ما تفتقر إليه بعض البلدان ذات الاقتصادات الأكثر رسوخاً، وتنحصر في المعايير الرقابية الصارمة التي تضمن استقرار وسلامة النظام المالي. ففي بعض الدول الأوروبية، لا تزال هناك فوضى مالية، تسعى المفوضية الأوروبية للتخلص منها بكل الوسائل الممكنة، دون أن ننسى الاضطرابات الكبرى التي تمر بها حالياً غالبية اقتصادات البلدان الناشئة. وهذه الأخيرة تعيش حالة رعب حقيقية، خصوصاً مع عدم وجود مؤشرات على إمكانية تجاوز الاضطرابات الاقتصادية بأضرار يمكن أن تُحتَمل. وسط هذه الأجواء العالمية، تتقدم المملكة اقتصادياً، وتحظى بتصنيف مرتفع مستقل.
تحتل السعودية المركز السابع على صعيد التصنيف العالمي، وتستطيع "وفق المعطيات السابقة"، أن تحافظ على هذه المكانة لأجل بعيد، بل تستطيع أن تتقدم في المستقبل، طالما استمر الأداء الاقتصادي ضمن الخطط الموضوعة له، وفي إطار يدعم المتغيرات الطبيعية التي تحدث على الساحة الدولية. هناك تحديات بالتأكيد، ولكن الواقعية الاقتصادية ــ إن جاز التعبير ــ كفيلة بالتخفيف من هذه التحديات، على الأقل في المستقبل المنظور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي