هل نخطط لمشاريعنا بشكل صحيح؟
المشاريع في كل أنحاء العالم لها مواصفات وخصائص لا بد من توافرها كي يؤدي المشروع خدماته بالشكل المناسب الذي وجد من أجله، ويتطلع إليه الناس، ومواصفات المشاريع تختلف حسب طبيعة المشروع، فالمدرسة تختلف عن المستشفى، ومشروع الصرف الصحي يختلف عن مشروع مصنع للتمور.
خصائص المشروع لا يعني الاقتصار على مواصفاته الحسية المتمثلة في البناء ونوع المواد المستخدمة والأثاث، بل الأمر يمتد إلى الموقع الذي يقع عليه الاختيار، فالموقع يعتبر من أهم المواصفات، إذ كثيراً ما يتم الاختيار دون مراعاة لمناسبة التربة، وملاءمة الموقع، إذ إن الاختيار للموقع يعتمد في الأساس على ضغوط ولوبيات تسعى لشراء الأرض، أو أن اختيار المشروع في موقع معين يخدم مصلحة طرف يكون في وجود المشروع بالقرب منه تعزيزاً لنشاط يزاوله، أو رفعاً لأسهم أرض يملكها. عدم مناسبة التربة ترتب عليه مشاريع تصدعت قبل تسلُّمها، وما أكثر ما سمعنا عن مدارس، ومستشفيات ومرافق حكومية أخرى.
جولة في مدننا تكشف لنا خطأ الكثير من مواقع بعض المشاريع، مستشفى داخل حي من الأحياء دون أن توفر له مواقف تكفي المرضى والمراجعين يترتب عليه أذى كثير للساكنين المحيطين، إذ لا يمكن أن يتحركوا بسهولة، كما لا يمكن أن يؤدوا مناسباتهم الاجتماعية بيسر، حتى إن مواقف سياراتهم التي أمام أبوابهم تؤخذ عليهم.
المدارس هي الأخرى توضع في كثير من الأحيان في أماكن مزدحمة وملوثة ومزعجة، وفي تقاطعات طرق تشكل خطراً على الطلاب والعاملين فيها، وكم من الحوادث حصلت لسوء الموقع، إضافة إلى عدم توافر بيئة، ومناخ ملائم تؤدى فيه العملية التعليمية بالشكل المناسب.
من أسوأ ما قرأت وسمعت وعلمت عنه مشاريع الصرف الصحي التي يتجاهل في اختيار مواقعها الكثير من الاشتراطات، كالبعد عن المساكن والمزارع ومواطن الإنتاج الغذائي ومصادر مياه الشرب، واتجاه الرياح وغيرها مما يعلمه المتخصصون أكثر مني، وقد حدثت أخطاء في اختيار مواقع لهذه المشاريع، ولا تزال تتكرر هذه الأخطاء، إذ إن محطة الصرف الصحي في بريدة وفي حائل كانتا بالقرب من أحياء سكنية ترتب عليها الكثير من الأذى من الأمراض والحشرات والروائح الكريهة، حتى تم نقل مكانهما، لكن بعدما دفع الوطن والمواطنون الكثير. أما محطة الصرف الصحي في محافطة الزلفي فبجانب قربها من مساكن المواطنين تقع بين مزارع المواطنين مصدر رزقهم وعائلاتهم رغم أنه قد تم الاعتراض على الموقع وتم التنبيه على خطورته، لكن لم تكن هناك أذن تسمع، ونفذ المشروع رغم المخاطر المترتبة على ذلك.
كم يخسر الوطن في حياة أبنائه وصحتهم وفي الأموال التي تنفق على هذه المشاريع والتي لا تلبث إلا فترة وجيزة نكتشف خلالها خللاً جسيما في المبنى لعدم مناسبة التربة، أو ندرك في وقت متأخر عدم مناسبة الموقع لنضطر إلى تغيير المكان كما حدث مع بعض محطات الصرف الصحي.
المشكلة في ظاهرها فنية ذات علاقة بالتخطيط، التي يفترض أن البلديات مسؤولة عنه، وبالأخص الإدارات الهندسية التي يقع على كاهلها اختيار الموقع والتأكد من مناسبته، إضافة إلى توزيع المرافق في المدن حسب الأحياء والكثافة السكانية، ومصلحة الإنسان الذي توجد المرافق والمشاريع من أجله، لكن خيوط المشكلة قد تتمدد لتتحول إلى مشكلة إدارية تتداخل فيها المصالح الفردية والفئوية ليدفع المواطن ثمن سوء التخطيط والفساد الإداري الذي لا وجود لمصلحة المواطن والوطن في قاموسه.