ما الفائدة من سوق الأسهم؟
أتفهم عدم استيعاب البعض الدور الذي تلعبه سوق الأسهم في الاقتصاد، لكن عندما يكون المتحدث شخصا بمكانة رجل الأعمال المعروف صالح كامل، فأنا أستغرب كيف أنه لا يدرك الدور الحقيقي لسوق الأسهم وأهميتها الاقتصادية، فجاء حديثه بمفاهيم غير صحيحة، أسمعها أحياناً من قبل غير المختصين، وأستنكرها تماماً عندما تخرج من رجل أعمال يملك شركات مساهمة ومدرجة!
يقول صالح كامل في المؤتمر الصحافي الخاص بمنتدى جدة الاقتصادي 2014 إن "سوق الأسهم السعودية لا توفر فرصاً وظيفية حقيقية للمواطنين من الشباب"وإنها "ليست مجالاً للتنمية، وليس لها أي نتيجة إيجابية على البلد". ثم أضاف أن "مجالات التنمية المعروفة هي إيجاد فرص عمل جديدة وكيانات اقتصادية استثمارية جديدة، وسوق الأسهم تقتصر على البيع والشراء ولا يتم من خلالها البناء والإعمار".
أولاً بخصوص أن سوق الأسهم لا توفر فرصاً وظيفية للمواطنين، فهذا غير صحيح، والدليل أن عدد موظفي هيئة السوق المالية وحدها يبلغ نحو 600 موظف، بحسب قاعدة بيانات زاوية التابعة لـ "تومسون رويترز"، وشركة تداول لديها نحو 270 موظفا، وبعض شركات الوساطة مثل الأهلي كابيتال لديها 320 موظفا، والراجحي كابيتال 300 موظف وسامبا كابيتال 180 موظفا، وقس على ذلك، هذا عدا الوظائف المساعدة والوظائف المرتبطة بسوق الأسهم بشكل مباشر أو غير مباشر. أما إذا كان يقصد أن تعامل المواطنين في سوق الأسهم لا يعتبر وظيفة، فهذا صحيح، لكن قليل من يتعامل في سوق الأسهم كوظيفة رسمية، عدا جزءا صغيرا من المضاربين المحترفين.
غير أن اللبس الحقيقي لدى كامل يكمن في تصوره لدور سوق الأسهم في أنها ليست مجالاً للتنمية وأنه لا يتم من خلالها البناء والإعمار، والحقيقة أن سوق الأسهم تلعب دورين رئيسين، الأول في كونها وسيلة فاعلة لتمويل الشركات والآخر في أنها أداة فاعلة لتناقل ملكية الشركات في وقت قياسي ومرونة فائقة. فمن خلال السوق الأولية تدرج الشركات المساهمة التي تتلقى تمويلات نقدية كبيرة يصعب الحصول عليها بأي من الطرق التقليدية، ويتم ذلك بتكلفة مالية متدنية. إنصافاً لصالح كامل، يبدو أنه يدرك هذا الدور لسوق الأسهم، حيث ورد في حديثه "كما أن تداولات البورصة ليست وسيلة للتنمية الحقيقية، ولجأ إليها الغرب كشيء ثانوي، بعد أن أنشأوا أسواقا أولية في بلدانهم ثم اتجهوا للسوق الثانوية"، أي أنه يعتقد أن من الممكن قيام السوق الأولية دون وجود سوق ثانوية، وهذا غير صحيح. فمن دون السوق الثانوية لا يمكن أن تكون لدينا سوق أولية، والسبب هو أن من يشارك في السوق الأولية بالاكتتاب في أسهم إحدى الشركات، يقوم بذلك لعلمه أن باستطاعته متى شاء بيع حصته في الشركة في سوق الأسهم (السوق الثانوية) على الفور، إضافة إلى أن الشركات المدرجة في السوق الثانوية تقوم باستمرار بزيادة رأسمالها عند الحاجة، مستفيدة من وجودها في السوق الثانوية.
ليس صالح كامل فقط من لا يدرك معنى التعامل في سوق الأسهم، فالمضاربة في الأسهم تأخذ لدى الكثيرين معنى سلبياً يدل على الطمع والاستغلال وحب المال والإضرار بالآخرين، فنجد أن هيئة السوق المالية ذاتها تعلن حرباً على المضاربين، فتكبل أيديهم وتقذف عليهم المعوقات والشروط والضوابط التي تعوق عملهم وتجعلهم في خوف دائم من توجيه الاتهامات التي قد تكبدهم خسائر كبيرة، وقد تؤدي بهم أحياناً إلى السجن. المضاربة تعني شراء وبيع سلعة ما بقصد المتاجرة، وهي موجودة منذ القدم وتمارس في شتى المجالات، من العقار إلى السيارات إلى الأشياء المستعملة، بل إن جميع الأعمال التجارية تعتبر نوعاً من أنواع المضاربة، كونها عبارة عن شراء سلع بسعر وبيعها بسعر أعلى في أسرع وقت ممكن. وفي سوق الأسهم المضاربة تأخذ أهمية قصوى نظراً لديناميكية حركة الأسهم وصغر حجم الصفقات الممكن تداولها، فيكون من الضروري وجود من لديهم الاستعداد والمجازفة الكافية لتزويد المتعاملين بما يحتاجون إليه من أسهم في أي وقت من الأوقات. في الواقع أن غياب المضاربين عن سوق الأسهم يعني غياب المستثمرين.
تتوالى الدعوات كثيراً في أن على الشخص الاستثمار على المدى الطويل، وهو أمر مرغوب فيه بلا شك، لكن هل نتوقع أن جميع المتعاملين سيستثمرون على المدى الطويل؟ ولو حدث هذا المطلب العجيب بالفعل، فمن أين لمستثمر جديد - ممن ينوي الاستثمار على المدى الطويل- الحصول على ما يريد من أسهم، إذا كان الجميع مستثمرين على المدى الطويل؟ المضارب هو الشخص الذي يحرك السوق، ووجوده مطلوب في أي سوق كانت. إن المضاربة ضرورية ومهمة جداً في أي سوق، والمضاربون يقومون بأدوار اقتصادية مهمة، من دونهم تتوقف الأسواق عن العمل، وتفقد السوق المالية خاصيتها المهمة في تسهيل عملية انتقال ملكية الأسهم من شخص إلى آخر وفعاليتها في جلب رؤوس الأموال للشركات، وبالتالي دعم الاقتصاد ككل.
لا ننسى أن سوق الأسهم تتيح للجميع المشاركة في ملكية الشركات الناجحة، وتستفيد منها الحكومة في إتاحة الفرصة للمواطنين للدخول في ملكية الشركات الحكومية، فتكون سوق الأسهم داعماً كبيراً لحركة التخصيص. ومن خلال الإشراف على الشركات المساهمة من قبل هيئة السوق المالية، تخضع الشركات لضوابط مالية ومراقبة مستمرة من قبل الهيئة والقطاع المالي ككل، حتى من قبل المستثمرين أنفسهم، وهذا يختلف بشكل جذري عن طريقة عمل الشركات الخاصة والعائلية. كما أن قيمة الشركات تتحدد من خلال ساحة وطنية كبرى، تعود فيها الكلمة العليا إلى قوى العرض والطلب، لا إلى الأهواء والرغبات والمفاوضات. مثل هذه الأسباب هي التي أدت بروسيا لإنشاء سوق للأسهم في عام 1995 بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وهي التي جعلت عدد الشركات المدرجة في البورصات الأمريكية يتجاوز 15 ألف شركة، وعدد الشركات المدرجة في العالم (بحسب بلومبيرغ) يصل إلى 63 ألف شركة، حتى هنا في المملكة، ارتفع عدد الشركات المدرجة في عشر سنوات من 73 شركة عام 2004 إلى 162 شركة الآن.
ختاماً، لا شك أن سوق الأسهم تلعب دوراً كبيراً في أي اقتصاد، على الرغم من جوانب القصور في التطبيق والإشراف والتعامل لدينا في المملكة، وكلامنا هنا عن الأسس التي تبنى عليها السوق المالية في كونها أداة مهمة لتمويل الشركات وتناقل الملكيات بسيولة عالية وسريعة، وفي كونها داعمة رئيسة للتجارة والصناعة والزراعة والتعليم والصحة والتقنية، ووسيلة استثمارية مكملة.