شكرا جزيلا بالحجم الكبير

بات من المُلح أن نعالج - الجحود - في النفوس، وأن نتطهر من التنكر للمنعمين علينا، كما نُعالج الآفات، وكما نتطهر من أعظم الرذائل، بات من المُلح أن نجعل - الشعور بالامتنان - من فرائض الدين، وشكر المحسنين من فرائض الرجولة والشرف الرفيع، والنبل والمروءة.
شكرا جزيلا.. بات من المُلح أن نكتبها أمامنا في كل شارع وعلى كل جدار، وخلف كل شاشة تستقر عليها أعيننا لتذكرنا دائما بمن يستحق منا عظيم الشكر.. فناله منا عظيم الجحود، أو اللا مبالاة، أو عدم الوفاء بصدق الامتنان وعميق التقدير الخالص. ولو بضراعة صادقة مخلصة له في ظهر الغيب، وفي إدبار السجود.
شكرا جزيلا... أول مراتب إدراك الشكر والمنعم، تتجه الذات إلى بارئها وخالقها من العدم، الذي وهبها الحياة، وادخر لها الجنة والخلود فيها فقط إن لم يظلم الإنسان نفسه أو يظلم غيره، ثوابا على أنه كان طاهرا في فعله، ونقيا في باطنه.
شكرا جزيلا أبي وأمي.. اللذين عجزا طوال عمرهما أن يبصرا حقيقة عيوبي وحقيقة نقصي، وأنني كنت طوال الوقت أقل طهرا مما يراني فيه، وأقل استقامة مما كانا يعتقدانه فيّ..
اللذان بقيا يشعران أنني إن دخلت في خصومة فأنا بكل يقين الطرف المظلوم فيها، والجانب الذي وقع عليه البغي والتعدي منها.. ! واللذان ظلا دائما يرياني.. صغيرا ببراءتي وصغيرا بمعاني طفولتي، وصغيرا بخوفهما المزمن علي، وحبهما غير المشروط لي.
أبي وأمي اللذان حتى بعد كل تقصيري وعقوقي وغيابي وتقديم كل شيء وكل أحد عليهما كانا حريصين على أن يدعيا أمام كل الناس، أن لي فضائل لا يستطيع غيرهما أن يراها حتى أنا.. ويقسمان بضمير نقي صادق أنهما صادقان.. دون حنث ولا كذب.
فشكرا جزيلا، بالحجم الكبير لهما.. بمنتهى الشكر وبعظيم الامتنان، وبعظيم الحب. وعظيم التواضع أمام ذاك الحب الكبير الذي لا ينتهي.
شكرا جزيلا.. بالحجم الكبير.. لكل الذين.. وقعت أعينهم على بعض ذنوبي فلم يفضحوني بها، ولم يعيّروني بسببها، ولم يسقطوني من أعينهم ولا أعين الناس لأنني اقترفتها، وضعفت نفسي أمام غوايتها.. فكان منهم الستر، وكان منهم الصفح.. وكان منهم الحب الشريف. فشكرا جزيلا لهم بالحجم الكبير وفي نفسي نصيب عظيم من الانكسار أن أكون جاحدا ومذنبا في آن واحد، شكرا جزيلا لكل الذين ستروني بصمتهم، وبعفتهم، وبسمو نفوسهم، وطهارة قلوبهم.
شكرا جزيلا بالحجم الكبير.. للذين من أصابع حبهم الصادق رسموني بجمال وجلال عظيم.. أكبر من حقيقتي، وأكبر مما أستحق وأجمل مما كنت أتمناه لنفسي. فكان لي بفضل ذكرهم الجميل صوت من الحب خاص بي لا يشاركني فيه أحد، ولا ينازعني عليه أحد في قلوبهم.
فشكرا جزيلا بالحجم الكبير لكل الذين أحبوني بهذا القدر الرفيع الصادق من الحب العظيم.
شكرا جزيلا لكل طبيب كانت نواياه علاجي أكثر من انتهاب أموالي وأنا ضعيف عاجز جعلت ثقتي به، وراهنت على ضميره. فصان الثقة وكسبتُ بضميره الحي الرهان.
شكرا جزيلا لكل من علمني علما ما زلت أشعل به أعواد الأيام من عمري، شكرا جزيلا لمن جعلت كلماتهم الإيمان حالة يقين في عقلي، وحالة تجل في قلبي. وحالة خشوع في روحي.
هذه غيض من فيض هذا العمق النبيل الغائب في حياتنا شكرا جزيلا بالحجم الكبير لو نهتدي إليها مرة أخرى لوجدنا أن احتمال المسؤولية قد تعاظم.. وأننا سنكون في كل يوم أفضل مما كنا عليه.
"من لم يشكر المخلوق.. لم يشكر الخالق" حديث شريف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي