الغاز الصخري يحفز أوروبا على إعادة النظر في سياساتها
إن انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة على خلفية ارتفاع الإنتاج من موارد الغاز الصخري حفز صانعي القرار على إعادة النظر في سياسات الطاقة والمناخ. "الصين لم تعد المكان رقم واحد في العالم للاستثمار، أمريكا اليوم تجتذب الكثير من الاستثمارات"، هذا ما أعلنه الرئيس الأمريكي أخيرا في خطابه السنوي عن حالة الاتحاد. لماذا الغاز الطبيعي؟ إن إحلال الغاز الطبيعي محل الفحم لتوليد الطاقة الكهربائية يسهم في التقليل من انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون كونه أقل تلوثا. مع طفرة الغاز الصخري في الولايات المتحدة، بدأ صناع القرار في أوروبا وأماكن أخرى من العالم يتساءلون كيف يمكنهم تجنب التخلف عن الركب.
إن قطاع الصناعة في أوروبا دفع ثلاثة أضعاف أسعار الغاز والكهرباء مما دفعه منافسوهم في الولايات المتحدة في عام 2011، وفقا لتقرير المفوضية الأوروبية الذي صدر أخيرا عن حالة الطاقة والاقتصاد للمنطقة. إن هذه الفجوة في الأسعار بدأت في الاتساع بعد عام 2005. في هذا الجانب يشير تقرير المفوضية إلى أن تطوير موارد الغاز الصخري في الولايات المتحدة يعتبر أحد الأسباب الرئيسة وراء اتساع الفجوة في أسعار الطاقة. إن تكاليف الطاقة العالية التي تتحملها الصناعة في الاتحاد الأوروبي تعتبر مصدر قلق لصناع القرار هناك، خصوصا في حالة استمرار اتساع هذه الفجوة بينهما.
إن طفرة الغاز الصخري في الولايات المتحدة حفزت المفوضية الأوروبية على إعادة النظر مرة أخرى في سياساتها الخاصة في هذا الجانب. إن إطار سياسات المفوضية الجديد للمناخ والطاقة للأعوام من 2020 إلى 2030 لاحظ أن مستخدمي الطاقة في الصناعة والمنازل يشعرون بالقلق على نحو متزايد بسبب ارتفاع أسعار الطاقة واتساع الفجوة بينهم وبين العديد من شركاء الاتحاد الأوروبي التجاريين، خصوصا الولايات المتحدة. وتعترف المفوضية بخطورة انتقال صناعتها الثقيلة إلى أماكن أخرى من العالم.
إن طفرة الغاز الصخري في الولايات المتحدة قلبت موازين اقتصاديات الطاقة العالمية، وأن تأثيرها سيستمر سنوات طويلة قادمة. في هذا الجانب، أوضحت مصادر شركة بريتش بتروليوم خلال إطلاق تقريرها السنوي لتوقعات الطاقة لعام 2035 أن إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة سيتجاوز إنتاجها من مصادر الغاز التقليدي بحلول عام 2029، حيث من المتوقع أن ينمو إنتاج الغاز بمعدل 4 في المائة سنويا وبذلك سيحول الولايات المتحدة إلى مصدر صاف للغاز بحلول عام 2018، على الرغم من ارتفاع استهلاكها المحلي. تشير مصادر الشركة أيضا إلى أن تكلفة تسييل الغاز من موارد الغاز الصخري وتصديره في ناقلات الغاز الطبيعي المسال سيضمن ميزة سعرية مستمرة بالنسبة للولايات المتحدة مقارنة بالاتحاد الأوروبي وآسيا - المحيط الهادئ.
بعض السياسيين والمسؤولين يعقدون الآمال على أن ثورة الغاز الصخري في أوروبا من شأنها أن تخفض من تكاليف الطاقة فيها، لكن من غير المرجح أن يتحقق ذلك، على الرغم من الدعم الكبير من قبل بعض السياسيين. في هذا الجانب تشير المفوضية الأوروبية إلى أنه في أفضل الأحوال، إنتاج الغاز الصخري المحلي سيلبي فقط عُشرالطلب على الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2035. تأثير ذلك في أسعار الغاز في أسواق الغاز الطبيعي الأوروبية من المرجح أن يبقى متواضعا مقارنة بالولايات المتحدة، حيث إن تكاليف إنتاج الغاز الصخري في أوروبا مرتفعة مقارنة بالولايات المتحدة لاعتبارات كثيرة. تضيف المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي سيستمر في الاعتماد على واردات الغاز ومصادر الطاقة التقليدية الأخرى لعقود قادمة.
إضافة إلى ذلك خيار الطاقة البديلة في الاتحاد كان مخيبا للآمال. إن تركيز صانعي القرار في أوروبا على خيار الطاقة النظيفة التي توفرها الشمس، والرياح أو الأمواج يعتبر من الخيرات المهمة للقارة، لكن محاولة الدفع وجعل هذا الخيار حقيقة واقعة في وقت مبكر أدى إلى العديد من العواقب غير المقصودة، كان له أثر عكسي فيها. إن مصادر الطاقة المتجددة في أوروبا لا تزال تمثل 5 في المائة فقط من مزيج الطاقة، على الرغم من الدعم الكبير الذي قدم لها من قبل الاتحاد الأوروبي بهدف الحد من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، ما يترك الغاز الخيار الأفضل لردم الفجوة في التحول إلى اقتصاد أقل انبعاثا لغاز ثاني أوكسيد الكربون. في هذا الجانب أوضح تقرير شركة بريتش بتروليوم لتوقعات الطاقة لعام 2035 أن تحويل 1 في المائة فقط من طاقة توليد الكهرباء العالمية العاملة بالفحم الحجري إلى غاز سيسهم في خفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون بما يعادل زيادة الطاقة المتجددة بنسبة 11 في المائة. إضافة إلى ذلك، يمكن تحويل 1 في المائة من محطات الفحم إلى الغاز في وقت أقصر وبكلف أقل. إن زيادة الطاقة المتجددة بنسبة 11 في المائة على الصعيد العالمي يحتاج إلى وقت أطول وكلف أعلى بكثير. لكن الفحم الرخيص الثمن في الولايات المتحدة، الذي أزيح بالغاز الصخري، يحل محل الغاز في محطات توليد الطاقة الأوروبية. حيث إن أسعار الكربون المتدنية في الاتحاد الأوروبي غير كافية لتحقيق ميزة على الفحم الرخيص الثمن القادم من الولايات المتحدة.