إقرار الاختبارات التحريرية إعلان بفشل التقويم المستمر
نفت وزارة التربية والتعليم وجود أي نية لديها لإلغاء نظام التقويم المستمر في المرحلة الابتدائية، مبينةً أن الاختبارات التحريرية التي أقرتها هي وسيلة من وسائل التقويم المستمر، وعلى المعلمين استخدامها أثناء تقويم الطالب أو الطالبة، بجانب الأدوات الأخرى. وأوضح الدكتور عبد الرحمن البراك وكيل الوزارة لتعليم البنين، أن نظام التقويم مطبق في كثير من دول العالم، وهو ضمن مجموعة أدوات يعتمد عليها المعلم أو المعلمة لقياس مستوى تحصيل الطالب أو الطالبة، والحكم باجتيازه أو اجتيازها المهارات المطلوبة. وأكد البراك، وفقاً لـ "عكاظ"، أن الاختبارات التحريرية سيبدأ تطبيقها اعتباراً من الفصل الدراسي الحالي في ظل متابعة من المشرفين التربويين لعمليات التطبيق في المدارس.
وهنا نستشف أن الوزارة أدركت بما لا يدع مجالا للشك أن التقويم المستمر بوضعه الحالي أداة فاشلة لتقويم الطلاب، خصوصا في بيئتنا التعليمية، فإقرار الاختبارات التحريرية للمرحلة الابتدائية يعد قرارا لإلغاء التقويم المستمر، فالناس يدركون ويعلمون ويقيمون الطرق النافعة من عدمها، خصوصا تلك المتعلقة بمؤسستين أساسيتين هما التربية والتعليم، والصحة، لأن المواطن لا غنى له عن هذين المرفقين، وهو يتعامل معهما منذ أن كان طفلا فشابا يافعا فرجلا ورب أسرة ثم شيخا هرما، لهذا فهو أدق المصادر وأكثرها تقييما لجودة التعليم والصحة.
لقد تكلمنا مرارا وتكرارا عن فشل نظام التقويم المستمر، ونادينا حتى بُحَّت حناجرنا دون آذان صاغية، أو ردات فعل، أو مجرد استفسار عما يحدث. نحن نعلم يا وكيل الوزارة أن التقويم المستمر يطبق في كثير من البلدان النامية والمتقدمة، وأثبت نجاحه هناك لوجود آليات وركائز ومقومات تطبيقه، فهناك بيئة تعليمية مناسبة من معلمين أكفاء لديهم المقدرة على تقييم الطالب دون اختبارات تحريرية، فيمكنهم تحديد نقاط الضعف والقوة في الطفل، ولديهم المقدرة على علاج الإخفاقات في بدايتها. فلا يعني أن طالبا وُجد لديه ضعف في مهارة ما أنه غير قادر على مواصلة التعليم، أو أن لديه صعوبات تعلم، فهناك أسباب متعددة يستطيع المعلم أن يختبرها ليعرف السبب الجوهري لعدم تمكن الطالب من إجادة مهارة ما، ثم يطرح الحلول المناسبة مع إدارة المدرسة والأسرة، كي ينطلق الطفل مع أقرانه من جديد، وقد يتفوق عليهم.
أما معلمونا فلم يعتادوا هذا النوع من التقييم، ولا يعرفون غير الاختبارات التحريرية لقياس قدرات واستيعاب الطلاب، لكن يجب ألا نلومهم؛ فالوزارة قبلتهم كمعلمين ومكنتهم من العمل التربوي كما هم، ومنحتهم الحق في تربية وتدريس الأجيال، ولم تكلف نفسها مجرد تطوير قدراتهم، من أجل أن يؤدوا مهمة تقويم الطلاب بكفاءة.
وإخفاق نظام التقويم المستمر، وإصرار الوزارة على استمراره رغم مناداة الناس باستبداله يذكرنا بنظام الثانويات المطورة. فقبل عقود تبنت التربية والتعليم (المعارف آنذاك) ما يسمى الثانويات المطورة، وهي باختصار - لمن لم يعرف عنها شيئا - عبارة عن مجموعة من الساعات على طالب المرحلة الثانوية أن يكملها، فيختار ما يناسبه في الفصل الدراسي ويؤجل ما يشاء، ويتعامل مع المواد والمعلمين والبيئة المدرسية وكأنه في جامعة، وقد يتخرج قبل أقرانه إذا استطاع أن ينهي ساعاته في مرحلة قياسية. وتم التطبيل لهذا البرنامج وتم تطبيقه بين عشية وضحاها، وراهنت التربية والتعليم (المعارف آنذاك) على نجاحه قبل أن يبدأ، إلا أن الحَسَن فيه أنه كان اختياريا، فلم يجبر جميع الطلاب على الولوج إليه، كما هو الحال في التقويم المستمر. وسار كثير من الطلاب في هذا المنهج، وأحجم بعضهم، وتريث البعض الآخر، حتى يروا نجاحه، وما هي إلا سنوات قليلات حتى أصبح ضحاياه بالمئات في كل المناطق، عندها توقف العمل به، وفشل نظام الثانويات المطورة بنجاح. وسبب فشل الثانويات المطورة هو السبب ذاته وراء فشل التقويم المستمر، المتمثل في أن أحدا من قيادات التربية والتعليم (المعارف سابقا) كان في إجازة صيف في أحد البلدان ورأى مثل هذا البرنامج في دولة غربية أو شرقية وأعجب به، فتبنى تطبيقه، وأصر على الاستمرار فيه دون أن يأخذ حقه من الدراسة، ودون أن يأخذ في الاعتبار البيئة المدرسية، وسلوكيات أبنائنا في تلك الحقبة.
نريد أن نقول لوزير التربية والتعليم الذي تسنم عمل الوزارة وهو المعروف بعلمه ببواطن الأمور، وأنا متأكد أنه أدرك مثالب التقويم المستمر فشرع في إلغائه، وأظنه كقائد حصيف لم يرد أن يحرج أتباعه أمام الناس، فتوصل إلى إدخال الاختبارات جنبا إلى جنب مع التقويم المستمر، الذي يعني في مضمونه إلغاء التقويم المستمر، فلا يمكن ألبتة أن يجتمع التقويم المستمر والاختبارات التحريرية. وفعل هذا بحنكته المعروفة كي يحافظ على الأجيال من نظام ظالم، ويرضي به من معه. كما نريد من وزير التربية والتعليم أن يعهد بالقرارات والموضوعات الجوهرية والاستراتيجية إلى لجان، ولا يسمح بالبت فيها دون أن تمر على لجان متخصصة ويكون القرار جماعيا، بعد قناعة جميع أعضاء اللجنة، أما أن تطبق مثل هذه التجارب دون تمحيص فسيدفع ثمنها الوطن من أبنائه، فتتخرج أجيال من المعتوهين والفاشلين والمتعثرين، يحتاج بعضهم إلى برامج تأهيل، والبعض الآخر إلى برامج محو الأمية.