«التنمية والتشغيل».. جولة في الإصلاح والتناغم

انطلقت أعمال المنتدى العربي الثاني للتنمية والتشغيل في الرياض، تلك المدينة التي تقود التنمية في العالم العربي، وهي فوق هذا واحدة من أسرع المدن العالمية نموا، ذلك النمو الذي يحتاج إلى بحث عن سبل استدامته، وهذا يحتاج إلى أدوات عدة، لعل أبرزها وجود الكفاءات من العمال، والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، والحد من الهدر في تلك الموارد، والعدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد. لكن بحكم الموقع الاستراتيجي للمملكة، وعمقها السياسي والاقتصادي في العالم العربي، لا بد من أن تكون رؤيتها للحلول التنموية مرتبطة بالواقع العربي كله، وهذا يحتاج إلى عمل جبار من أجل تنسيق السياسات وخطط العمل والتفاهم المشترك لتحقيق الأهداف المطلوبة، ذلك أن عمل أي دولة بشكل منفرد وبعيدا عن التنسيق الكامل مع باقي الدول الشقيقة ودول الجوار الأخرى، فإن السياسات التنموية في دولة ما قد تقود إلى إفقار الجار، وهذا يقود بدوره إلى انهيارات اقتصادية وسياسية لها تبعات واسعة على أي مخططات تنموية في أي دولة ذات صلة. وهذا هو واقع الحال في عالم اليوم، فلا يمكن الحياة بمعزل عن الآخرين، وأي محاولة لذلك تعني الانتحار الاقتصادي والسياسي، ولقد جربت دول كثيرة مثل هذه السياسة البائسة وانتهت إلى لا شيء على أفضل الخيارات السيئة التي انتهت إليها.
إن الأمل معقود في المنتدى العربي الثاني للتنمية والتشغيل، الذي تدور فعالياته في الرياض، لأن يقود إلى بناء وثيقة تتضمن رؤية مشتركة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وبناء إطار عمل شامل للجميع نحو بناء سياسات وخطط العمل وأسس التفاهم المشترك لتحقيق التنمية الموزونة لزيادة التشغيل والحد من البطالة ومكافحة الفقر، وفقا للظروف السائدة في كل دولة ومواردها وقدرة الآخرين على الدعم والتواصل.
وإذا كانت التنمية المستدامة الهدف النهائي الذي تسعى إليه كل دولة، فإن قيمة ومكونات تلك الاستدامة قضية تختلف من دولة إلى أخرى، فدولة مثل المملكة تسعى إلى تنمية مستدامة ترتكز على الحفاظ على الثروة وحسن إدارتها، وكذلك الحفاظ على الموارد من الهدر وسوء الاستغلال، ليست كدولة فقيرة فاقدة الموارد وتحتاج إلى مزيد منها، لن تقوم تنمية مشتركة بين دول متعارضة المصالح تماما، فلا بد من وثيقة عمل تمهد لحوار جاد. وإذا كانت البطالة سمة أساسية في الاقتصاد الحديث، فإن حجم تلك البطالة وأسبابها تختلف من دولة إلى أخرى، فهناك بطالة ناتجة عن سوء المزاوجة بين التعليم ومتطلبات التنمية، وهناك بطالة بسبب زيادة النمو السكاني عن النمو الاقتصادي، وهناك بطالة بسبب الأحوال السياسية، وسوء إدارة موارد الدولة، لا يمكن حل مشكلة البطالة في دولة ما بمجرد امتصاصها من دولة أخرى لاعتبارات سياسية دون النظر إلى تأثيرها في مستويات البطالة المستوطنة وأسبابها. فالمنتظر من دول تسعى إلى تنمية مستدامة بناء على عمل مشترك أن تتبنى إعلان وثيقة عمل حتى لا تصبح البطالة وسيلة ضغط سياسية، وحتى لا تنشأ اتفاقيات ثنائية تنتهي بإجراءات تعسفية ضد دول أخرى قد تقود إلى فوضى سياسية تعم الجميع.
إن الوثيقة المنتظرة، تمثل خطوة أمل في عالم اقتصادي وسياسي مضطرب، وإذا تم النظر إليها كخطوة في طريق طويل فإن المنتدى يمثل جولة من جولات الإصلاح الاقتصادي والتناغم بين الدول العربية، والاستفادة الموزونة من الموارد العربية، والحد من الهدر، والاتفاق على آليات واضحة لمكافحة الفساد، وبناء ثقافة تجارية مشتركة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي