بلادنا والدول الكبرى.. وصداقة الأنداد

يخطئ كثيراً من يقيس قوة بلادنا بالثروة والبترول.. حيث لديها من مقومات القوة ما هو أكبر من ذلك بكثير وهو مثلث العمق الإسلامي والتاريخي والموقع الجغرافي .. ففي المقام الأول تتحدث هذه البلاد باسم ما يزيد على مليار ونصف المليار من المسلمين الذين يرون فيها مثلهم الأعلى في النهج الإسلامي بوسطية واعتدال.. ولذا فإن جميع الدول الإسلامية تعتبر عمقاً لبلاد الحرمين تتجه إليها أنظار شعوبها وعقولهم وتخشع قلوبهم، حينما يستمعون إلى خطب أئمة الحرمين الشريفين أو عند زيارة أحد هؤلاء الأئمة لأي من البلاد الإسلامية.
أما العمق التاريخي فيكفي التأمل في قطع الآثار، التي ظهرت في معارض الهيئة العامة للسياحة أخيرا لنرد بها على من كان يردد أن بلادنا عبارة عن جمل وخيمة، ولم تعرف إلا بعد اكتشاف النفط.. والموقع الجغرافي يعرف أهميته الجغرافيون فهو يطل على منافذ بحرية مهمة ويربط بين الشرق والغرب.
هذه مجرد مقدمة لموضوع علاقة بلادنا مع الدول الكبرى الذي أتحدث عنه اليوم بمناسبة زيارة الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد إلى اليابان والهند وباكستان.. والزيارة المتوقعة للرئيس الأمريكي لبلادنا.. وزيارة ولي العهد البريطاني وقبله الرئيس الفرنسي فهذا التواصل الدائم لم يأت من فراغ وإنما يعبر عن اهتمام الدول الكبرى ببلادنا.. ليس كما قلنا لأنها دولة غنية ولا لأنها عضو في مجموعة العشرين ولكن لأن صداقتها مع هذه الدول تتسم بالندية في طرح المبادرات واتخاذ المواقف القوية لحل القضايا العالمية وفي مقدمتها قضية فلسطين والأزمة السورية التي لو أخذ برأي السعودية ومبادراتها لما تطورتا وتعقدتا وحدثت نتيجة لهما الكثير من المشكلات المعقدة التي تهدد السلم العالمي.. أما مواقف المملكة القوية مع الدول الكبرى فكلنا يتذكر قرار وقف ضخ البترول إلى الغرب عام 1973 والموقف مع السفير الأمريكي المعترض على صفقة الصواريخ السعودية مع الصين والموقف القوي أمام تخاذل المجتمع الدولي وأمريكا بالذات تجاه القضية الفلسطينية وقضية الشعب السوري.
وأخيراً: ما أجمل أن نتحدث مع الدول الكبرى بلغة الند للند.. حتى في مجال الاقتصاد فنحن لا نطلب مساعدة من أحد.. وفي الوقت نفسه لا نمن على أحد .. وإنما هناك مصالح متبادلة.. نستثمر لديهم ويستثمرون لدينا ونصدر لهم ويصدرون لنا.. وهذه الحقائق وغيرها حول إظهار مواطن القوة في سياسة بلادنا تحتاج إلى دبلوماسية أهلية ينادي بها البعض لكي تساند الدبلوماسية الرسمية، حيث تسافر الوفود التي تشكل حسب طبيعة كل دولة تتم زيارتها، فالدول الإسلامية لا بد من مشاركة علماء الدين وأئمة الحرمين في المقدمة.. أما الزيارات إلى الدول ذات الثقل الاقتصادي والسياسي فرجال الأعمال وأساتذة الجامعات والمفكرين والكتاب هم فرسانها.. ومهمة هذه الوفود شرح مواقف بلادنا كدولة تسعى إلى السلام والعدل والوسطية في وقت تشحن فيه دول أخرى الأجواء بالكراهية والتطرف والعنصرية والنزعات المذهبية ليس فقط بالأقوال وإنما بالأفعال التي يشاهدها العالم أنهاراً من دماء الأبرياء في أكثر من بقعة.. وبالذات في عالمنا العربي والإسلامي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي