الإسراف في استهلاك الكهرباء وأثره في الاقتصاد الوطني

تطالعنا التقارير الصحافية والدراسات بالحجم الكبير للإسراف في استهلاك الكهرباء، نحن نعلم أن طبيعة المناخ بالمملكة شديدة الحرارة في معظم المناطق ومعظم أيام السنة، وهذا ما يجعل الاستهلاك يزيد بصورة أكبر خصوصاً فيما يتعلق بالتبريد، إذ إن بعض التقارير تشير إلى أن أكبر مصدر للنفط في العالم هو المملكة التي تستهلك تقريباً نحو 40 في المائة من إنتاجها النفطي، ونصف ذلك الاستهلاك بسبب تشغيل أجهزة التكييف، وهذا يعطي مؤشراً إلى أنه مع الزيادة في أعداد السكان والزيادة في المشاريع مستقبلاً سيزيد الاستهلاك للكهرباء وغيرها من الخدمات.
كما نعلم أن الحياة المدنية التي نعيشها والرفاه الذي يتمتع به الكثير، أضافت كثيراً من أنماط الحياة خصوصاً في المدن المتوسطة والكبيرة في المملكة، فمعظم الناس اليوم يفضلون التسوق مثلاً في المراكز التجارية المغلقة التي تعمل بها أجهزة التكييف ليل نهار دون توقف، كما أن كثيراً من الشركات والمكاتب الحكومية تعمل بأجهزة التكييف المركزي التي تتطلب أيضاً عمل أجهزة التكييف طوال اليوم، كما أن كثيراً من المنازل يتم التكييف فيها من خلال أجهزة التكييف المركزي، وتجد اليوم أنه أصبح شائعاً اعتماد بعض الأفراد على التكييف خلال فترة الشتاء، فيكون التشغيل لهذه الأجهزة من أجل التدفئة أيضاً وليس فقط للتبريد خصوصاً أن أجهزة التكييف المركزي تعمل بطاقة كبيرة وبشكل مستمر. إضافة إلى المساجد اليوم، حيث يستخدم بعضها التكييف المركزي بدلاً من الوحدات المستقلة، كما أن التغير في أنماط الحياة جعل الأجهزة والأدوات التي تعتمد على الكهرباء أضعاف ما كانت عليه من قبل. فأجهزة مثل التلفاز وجهاز التقاط القنوات الفضائية والفيديو وأدوات الطبخ وأجهزة الكمبيوتر واللاب توب وأجهزة المحمول الجديد الذكية والأجهزة اللوحية والإنترنت، إضافة إلى ألعاب الأطفال الإلكترونية وغير الإلكترونية، وأجهزة التنظيف والغسيل وغيرها.
أجهزة التكييف تعمل في الغالب في مساحات كبيرة، إذ إن المراكز التجارية والمباني الحكومية والقطاع الخاص يتم تصميمها بمساحات شاسعة من جهة الطول والعرض والارتفاع، كما أن المنازل وبسبب أنها تعتمد في البناء على أسلوب الأفراد دون الأخذ بالمعايير المناسبة لذلك والتي تأخذ في الاعتبار العزل الحراري بطرق مختلفة لتتناسب مع حاجة الساكن بالمنزل، وتخفف من أثر الأجواء الحارة خارج المنزل والبعض يرى عدم الالتزام بالعزل بسبب التكلفة التي قد يتكبدها.
هذه الحالة العامة للإسراف في استهلاك الكهرباء لا تنذر بأنها ستخف أو على الأقل ستبقى بمعدلاتها الحالية، إذ إن كل يوم يمر على المملكة تشهد فيه زيادة في عدد السكان، وزيادة في المشاريع والاستثمارات، وزيادة من حالة الطلب على الكهرباء وغيرها من الاحتياجات والخدمات، وهذا ينذر بالزيادة في حجم الاستهلاك مع استمرار حالة ضعف نتائج برامج الترشيد في الاستهلاك التي تقوم به الجهات ذات العلاقة، ورغم زيادة مستوى التعليم والوعي في المجتمع إلا أن الشعور بالمسؤولية تجاه قضايا المجتمع الكلية لا يزال أقل مما هو مطلوب.
في تقارير لبعض المؤسسات تشير إلى أنه في عام 2030 ستجد المملكة نفسها تستهلك جميع إنتاجها من النفط، بمعنى أنها لن تصدر قطرة واحدة من النفط، وهذا التاريخ ليس بعيداً ويفصلنا عنه 16 عاماً فقط، ورغم قناعتي بأنه في ذلك اليوم لن يحدث ذلك لسبب بسيط وهو أنه بسبب اعتماد المملكة في دخلها بشكل شبه كامل على النفط، فإنه إذا لم تصدر النفط فلن تجد من يدفع الرواتب ويشتري من الأسواق ويعيش حياته بالصورة التي نعيشها اليوم، ولذلك فإن المسألة ليست بالأمر اليسير ولا يمكن معالجتها دون شعور بالمسؤولية من الجميع ووجود مبادرات تخفف من حدة الاستهلاك للكهرباء ولا تقل المياه عنه أهمية.
ولذلك من المهم الاستمرار في برامج التوعية في المجتمع، واطلاعه على الحقائق والتهديدات التي قد تلحقه بسبب الإسراف في استهلاك الكهرباء، من المقترحات أيضاً تشجيع المراكز التجارية والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص على استخدام بدائل الكهرباء في توليد الطاقة، ولو أن تتكفل شركة الكهرباء أو المؤسسة الحكومية بجزء من تكلفة هذه البرامج، ومن الحوافز أيضاً إعلان ذلك في الصحف كما بادرت بذلك الشركة في الإعلان عن المساجد الملتزمة بالترشيد، كما يمكن تخفيض تكلفة الكهرباء عن هذه المؤسسات التي يثبت أنها التزمت بالترشيد، من البرامج المناسبة أن يكون هناك دعم لزيادة وعي المواطنين بالطريقة المثالية لتصاميم البناء التي تحقق العزل المناسب للحرارة وتقلل من استهلاك الكهرباء وتخفف أيضاً من الاحتياج بصورة أكبر للإضاءة، وتشجيع المواطنين أيضاً على وضع العوازل المناسبة ولو كان ذلك بدعم تخفيض أسعار الجيد منها.
فالخلاصة أن المبالغة في استهلاك النفط لها آثار سلبية في الاقتصاد الوطني والناتج المحلي خصوصاً أنه في الغالب يكون بغرض الاستهلاك وليس الإنتاج، ولذلك من المهم الاستمرار في برامج التوعية مع تطوير أساليبها، إضافة إلى التشجيع على الإجراءات التي تخفض الاستهلاك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي