أمريكا ونهضتها النفطية

لا يمر يوم دون أن تقرأ تقريرا أو أكثر وفي أكثر الصحف أو المجلات الغربية رصانة عن بزوغ نجم الولايات المتحدة كمنتج نفطي كبير في العالم وهي تشق طريقها بثقة كي يتجاوز إنتاجها لهذه المادة الحيوية والأساسية للنمو والتطور إنتاج بلد الحرمين.
وتتفق هذه التقارير وبعضها صادر عن مؤسسات كبيرة مثل وكالة الطاقة الدولية أن إنتاج الولايات المتحدة سيرتفع إلى 11.6 مليون برميل في اليوم في عام 2020 متجاوزا معدل الإنتاج في المملكة.
شهد إنتاج النفط في أمريكا فترات حرجة، حيث هبط من 9.6 مليون في عام 1970 إلى أقل من خمسة ملايين في عام 2008 ولكنه في طريقه للوصول إلى معدل عام 1970 وتجاوزه.
الأرقام متوافرة ويمكن التحقق منها. همي من الكتابة في هذا الموضوع ليس اجترار ما تقع عليه عيني في الصحافة الغربية. هدفي الأساس تقديم بعض المعلومات عن الكيفية التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع نهضتها النفطية والغازية الحديثة وكيف تستثمرها لرفد اقتصادها وتمكينها من تحقيق استراتيجياتها في شتى المجالات.
فهي من ناحية لا تسمح بتصدير نفطها المنتج محليا رغم معارضة المنتجين الذين يخسرون كثيرا بحصر بيعهم لمصانع التكرير الأمريكية. قد لا يستمر الحذر طويلا، ولكنه أدى إلى تقليص الاستيراد ووصل إلى أدنى حد له في الـ 20 عاما الماضية حسب إحصائيات عام 2012.
وحسب التقارير فإن العجز النفطي قياسا بالإنتاج المحلي الإجمالي في أمريكا تقلص إلى 1.7 في المائة، بينما في أوروبا وصل إلى 4 في المائة. والجدير بالملاحظة فإن تقليص الاستيراد في أمريكا كان أغلبه من منطقة الخليج العربي على حساب واردات نفوط أقل جودة من النفط العربي من فنزويلا والمكسيك.
الولايات المتحدة تفرض حظرا على تصدير النفط، ولكن تسمح بتصدير المنتجات النفطية وهذا ما جعلها في مرتبة متقدمة بين الدول المصدرة للمنتوجات النفطية.
النفط ــــ شأنه شأن أية سلعة استراتيجية أخرى ـــــ لم يكن في أي يوم من الأيام لدى الغرب وأمريكا سلعة اقتصادية بحتة تحدد مسارها وأهميتها حركة السوق ومعادلة الطلب والعرض بل سلعة سياسية أيضا لها دور كبير في تنفيذ أجندات سياسية.
أمريكا لا تريد تصدير النفط، كما يقول آخر تقرير في مجلة "الإيكنومست"، لأنها لا تريد التأثير في الإنتاج في منطقة الخليج العربي وأنها ستتدخل في السوق العالمية كقوى نفطية مؤثرة فقط لتنفيذ سياسات الحصار التي تطبقها حاليا على إيران وإخراجها من سوق النفط العالمية مثلا.
وستتدخل نفطيا أيضا في أية أزمة تحدث لموازنة الطلب والعرض أو إن قلصت أية دولة نفطية مؤثرة إنتاجها لسبب ما أو حرمت السوق منه كسلاح مقاطعة اقتصادية.
السياسة الأمريكية بخصوص النفط حتى الآن سياسية ناجحة. من الناحية الاقتصادية فإن تخصيص الزيادات الكبيرة في الإنتاج للتكرير فقط دون التصدير أخذت وحدها تساهم في حدوت نمو سنوي في الاقتصاد الأمريكي يصل إلى 0.3 في المائة وهذه نسبة هائلة من النمو من قطاع واحد وهو النفط فقط إن أخذنا حجم الاقتصاد الأمريكي في الحسبان. والنمو هو الوسيلة المثلى لخلق فرص عمل جديدة وتراكم الثروة.
وهكذا استطاعت أمريكا ومن خلال استخدام تكنولوجيا استخراج فائقة التطور وخطة استثمارية اقتصادية مشفوعة بمنافع سياسية جيوبوليتكية وضع نفسها كقوى باستطاعتها التدخل في السوق النفطية وإجبارها على تلبية ليس فقط متطلباتها الاقتصادية بل السياسية أيضا.
هل وصلت أمريكا إلى غايتها غير المعلنة وهي إخراج النفط العربي من أية معادلة يكون لدوله وأصحابه فيها دور في توجيه دفة الأمور السياسية والاقتصادية والإقليمية وغيرها لصالحها؟ أظن أن هذا كان حاصلا قبل أن تصبح أمريكا قوى نفطية، أما الآن وقد استرجعت دورها كقوى نفطية مهمة في العالم فمن الصعوبة بمكان زحزحتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي