الأمير سلمان في الهند وباكستان

ترسيخ خط الاعتدال في المواقف سياسة سعودية خالصة. لم تتغيَّر ولم تتلوَّن ولم تتبدَّل، على الرغم من كل التقلبات التي شهدتها المنطقة والعالم. دول مضت وأخرى حضرت وثالثة غابت ورابعة سعت لأن تأخذ مكان دول أخرى. لم ينجح أحد، إلا مَن استثمر في مصالح دائمة وقائمة على التوازن، وليس التناحر أو التنافس أو التدخُّل في شؤون الدول الأخرى.
لا خلاف أن المصالح هي التي تسيّر سياسات الدول، إلا أن الدول المراهنة على الاعتدال ثبت صحة موقفها، كما أن الدول المعتمدة والمشجعة على المغامرات غير المحسوبة ضررها كان كبيراً وخسائرها بانت سريعاً.
الجولة الآسيوية التي يقوم بها حالياً الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، على أهمية محطاتها الأربع، إلا أن زيارة باكستان والهند على وجه الخصوص، وفي الجولة نفسها، تعكس أهمية الدور السعودي الحريص على إيجاد الحلول الملائمة بمنطق التوازن والاعتدال، هذا المنطق الذي أسَّسه الملك المؤسِّس عبد العزيز بن عبد الرحمن، لا يزال صامداً في وجه كل العواصف والزلازل التي تضرب العالم. فالعلاقة التاريخية والمتينة التي تربط الرياض وإسلام أباد، لا تعني تماماً إغفال علاقة قوية ومتينة مع نيودلهي أيضاً، بل إنه حتى حليف مثل باكستان يعي أن قوة العلاقة السعودية - الهندية وتواصلها من الممكن أن تسهم، إلى حد ما، في تخفيف حدة التوتر بين الجارتين الآسيويتين اللدودتين، وبين 1.4 مليار نسمة يعيشون في منطقة أصلاً لا ينقصها مثل هذا التوتر.
سياسة التوازن والاعتدال ليست جديدة على السعودية، والتأسيس لعلاقات متوازنة مع حليف قوي مثل باكستان، ودولة صديقة وكبرى مثل الهند، رسّخها خادم الحرمين الشريفين في زيارته التاريخية لنيودلهي وإسلام أباد عام 2006. السعوديون يرسلون رسائل واضحة لا لبس فيها ولا غموض. أينما كانت مصالح شعبهم فسيحافظون على علاقات قوية واستراتيجية، شريطة أن يكون الطرف الآخر لديه الرغبة الصادقة نفسها. كلا البلدين على قناعة بأنهما في حاجة إلى الإبقاء على وتيرة النمو المتصاعدة في علاقتهما مع السعودية، بعيداً عن هواجس علاقة الرياض مع كلتيهما؛ كل على حدة.
دول قليلة تحتفظ بعلاقات متميزة مع الدولتين الآسيويتين. باكستان والهند لا تقبلان بسهولة فكرة أن تكون لك علاقة طيبة مع الخصم اللدود، وفي الحالة السعودية تقبل الهند بتقوية علاقاتها وتعزيزها مع دولة هي في الأساس حليف تاريخي لجارها، وكذلك الأمر عندما نتحدث عن باكستان التي تقبل بدورها علاقات متوازنة مع السعودية، بينما السعوديون يفعلون الشيء نفسه مع الهند. في نهاية الأمر استطاعت السياسة السعودية أن تفرض دبلوماسيتها على خصمين لدودين، واستطاعت أن تكسب البلدين دون أن تجبر على الاختيار بينهما. واستطاعت، مرة ثالثة، إيصال رسالة للعالم أجمع: التحالف مع دولة مهما كبرت وقويت وأثرت، ليس شرطاً أن يكون على حساب مصالحك وعلاقاتك الاستراتيجية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي