لكيلا يتم التلاعب بالمعلومات المالية

تعاني السوق المالية السعودية مشكلة معقدة، وهي جودة المعلومات التي تقدمها للسوق، وهذه قضية كبرى تحتاج إلى تفاعل بين أطراف متعددة منها هيئة السوق المالية ومؤسسات البحث العلمي، نحتاج إلى دراسة شاملة لرصد جميع المخالفات التي تقوم بها الشركات في نشر معلوماتها المالية، فلقد بدأت تنتشر ظواهر مالية غريبة تستحق الدراسة الكاملة والمتعمقة، وهذه الظواهر تدل بلا شك على وجود تلاعب في المعلومات سواء التي تظهر في القوائم المالية أو تلك التي تعلنها الشركات خارج القوائم، فالعديد من الشركات يعاني تذبذبا في رقم الأرباح، لا تفسره حالة السوق الراهنة، وبعضها يتعرض للخسائر والعجز في السيولة والمؤشرات المالية بينما السوق في أوج ازدهارها، بينما البعض الآخر يبالغ في الأرباح بشكل لافت، وهذه الظواهر تحدث خاصة في الشركات الصغيرة حديثة الإدراج في السوق المالية، فهي شركات انتقلت من حالة الشركة ذات المسؤولية المحدودة والمملوكة لأفراد وعائلات تجارية محدودة إلى شركات مساهمة فيها مئات الآلاف من المساهمين غير المعروفين، بينما توزعت الملكية بهذه الصورة الهائلة ومعها توزعت المخاطر إلا أن إدارة الشركة بقيت في يد العائلة أو الأفراد المؤسسين. هذه الظاهرة السيئة تسببت في كثير من الأسى في السنوات القليلة الماضية، فمن تعليق التداول لسنوات طويلة إلى التصفية القسرية للشركة، بينما عانى المساهمون الأفراد تبعات هذه القرارات وضاعت استثماراتهم، بقي مجلس الإدارة يتلاعب بالشركة أو ينتقل منها إلى غيرها دون محاكمة أو تحقيق أو حتى عقوبة رادعة، وهذا لا يليق بدولة تريد أن تبني مؤسسات وأسواقا استثمارية ناضجة، وأن تجلب رؤوس الأموال والعقول الاستثمارية والمشاريع الجبارة من كل حدب وصوب.
ومع هذا القلق الذي بدأ يتزايد، من الجميل حقا أن نسمع أن مجلس الشورى أخذ على عاتقه هذه المسؤولية، وهذا ما قدمه الدكتور سعد مارق رئيس اللجنة المالية خلال أعمال ندوة "معوقات عمل المراجعة الداخلية في الأجهزة الحكومية"، التي نظمتها الجمعية السعودية للمراجعين الداخليين في الأسبوع الماضي، وأن هناك دراسة، من أجل الحد من ظاهر التلاعب بالقوائم المالية واتجاها إلى إيقاع عقوبات جنائية ومالية على الشركات المساهمة التي تتلاعب بمعلوماتها المالية، أو تلك التي ستطرح أسهما للاكتتاب بمعلومات مضللة، فالمشكلة التي يتصدى لها مجلس الشورى هي أن على ملاك الشركات الذين يريدون طرح شركاتهم على الاكتتاب العام ضمان سلامة المعلومات المالية التي تقدم للسوق، وهذه المسؤولية بالطبع ستشمل المراجعين القانونيين الذين يمنحون الثقة لكل تلك المعلومات، فلن يبقى أحد بعد هذا بعيدا عن العقاب المالي حتى الجنائي، الذي قد يصل إلى السجن لسنوات طويلة، بحجم الأذى والضرر الذي أصاب المجتمع أو السوق من جراء تلاعبه ذاك.
فصدور مثل هذا النظام الرادع سيقدم دعما وثقة للسوق، لكن كأي نظام، لا بد أن يجد صرامة في التنفيذ، أن تشكل له لجان بحث جنائية خاصة، تبحث في الجرائم المالية، أن يتمتع الموضوع بشفافية عالية. كما يجب أن يتم تطوير برامج بحثية متخصصة تدعم هذا التوجه وأن تنشأ كراسي بحث علمية هدفها تتبع الإفصاح في الشركات وقياس مستوياته وتحليل المعومات المالية في السوق وتوجهاتها والأساليب الحديثة في التلاعب في القوائم المالية ورقم الأرباح، إذاً نحن في حاجة إلى منظومة كاملة لدعم توجهات مجلس الشورى في القضاء على التلاعب بالمعلومات المالية التي تقدمها الشركات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي