مهرجان الجنادرية أصبح أكثر نضجا وأوسع إطارا

منذ عقدين، لم يعد مهرجان الجنادرية، مهرجاناً تراثياً محلياً سنوياً يمضي بمضي أيامه. مع السنوات، تحول إلى مناسبة حافظت على خصائصها نفسها، ولكن مع قيمة مضافة، ناتجة عن الرعاية السنوية لهذا المهرجان من قِبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي منح المهرجان اهتماماً وضعه بقوة على الخريطة الثقافية الإقليمية والعالمية. وبنسخته التاسعة والعشرين لهذا العام، بات "الجنادرية" أكثر نضجاً، وأوسع إطاراً، وأقوى مناسبةً. فهو ثقافي، فني، سياحي، وتراثي. ومع السنوات، أخذ يستقطب مزيدا من الزوار القادمين من الداخل ومن الخارج، وتحول إلى مناسبة عالية الجودة، تجتذب الرموز الثقافية والتراثية والفنية، بمن فيهم أولئك الذين درجوا على الاشتراك شبه السنوي فيه. تضاف إليهم أعداد كبيرة من العاملين في الحقل الإعلامي، الذي وجدوا فيه المادة الغنية اللازمة لهم.
عنوان الدورة التاسعة والعشرين لمهرجان الجنادرية "كوكب الأرض"، ولهذا العنوان دلالات وإشارات عميقة، على مختلف الأصعدة الثقافية والتاريخية والإنسانية والبيئية، يجللها تاريخ المملكة، الذي يُستعرض بفنون راقية كل عام. فهذا التاريخ فيه من القيمة، ما يمكن أن توفر المادة التي لا تنتهي للعرض. وفيه أيضاً من الفهم الإنساني، ما يُطرح لكل من ينتمي إلى كوكب الأرض. ولذلك بات المهرجان جزءاً أصيلاً من الحراك الإنساني والثقافي والتراثي للسعودية. فلم يعد تجمعاً لمحاكاة الماضي، بل تحول إلى لقاء هائل، تطرح فيه القيمة الإنسانية لهذا الماضي، ويفسح المجال أمام من يرغب في أن يكون جزءاً من حراك، يترك بصماته على الساحة. إنه مهرجان لا يمضي إلى موعده في العام المقبل، بل يترك آثاره إلى عامه الآتي.
سيكون أوبريت "كوكب الأرض" الذي يشترك فيه فنانون كبار من العالم العربي، بمنزلة "نشرة" يروي "قارئوها" دور خادم الحرمين الشريفين الإنساني. فالملك عبد الله، بعطائه وحرصه على المعايير الإنسانية، يقدم نموذجاً مستداماً لمن يرغب في أن يكون جزءاً من الإنسانية، لا مناوئاً لها، وأن يكون حامياً لها، لا معتدياً عليها، خصوصاً في عالم نعيش فيه، ونجد حولنا أعداداً لا تنتهي من المعتدين المدَّعين. إن العطاء الإنساني محلياً وعربياً وعالمياً لخادم الحرمين الشريفين، يتحدث عن نفسه، وهذا العطاء لم يكن مادياً فحسب، بل أيضاً معنوياً هائل القيمة والدلالات، من خلال دعمه الحوار والتحاور بين الأديان والثقافات، وصون الإنسان الذي كرمه الله، والوقوف ضد الظلم ودرئه. ولهذه الأسباب وغيرها، يفوز مهرجان الجنادرية سنوياً، بشرف الرعاية الدائمة له من جانب الملك عبد الله. لقد بات هذا المهرجان مسيرة للثقافة والتراث والإبداع.
وفي هذه الدورة من المهرجان تحل الإمارات ضيف شرف فيه. وهذا أيضاً تقليد مهم، ولا سيما باشتراك أشقاء وأصدقاء المملكة في هذه المناسبة الكبرى. وفي الدورات السابقة، حلَّت دول شقيقة وصديقة في المكانة نفسها. من أهم النقاط في "الجنادرية"، أنه ليس فقط مهرجاناً ينظمه الحرس الوطني، بل مهرجان تشترك فيه كل جهة يمكنها أن تقدم إضافة جديدة، تدخل في الإطار العام له، وضمن المعايير الراقية التي قام عليها، ووفق المفاهيم الحضارية والإنسانية التي تمضي فعالياته على أساسها. إنه مهرجان التاريخ والتراث والثقافة، وهو أيضاً مهرجان التسامح والتلاقي الإنساني والحضاري. لا مكان للتطرف هنا، ولا مساحة لأولئك الذين يحملون أفكاراً هدامة. إنه ببساطة ساحة يقدم المملكة بحقيقتها، ويجمع في الوقت نفسه، كل الأدوات التي تضيف مزيدا من القيم الحضارية. لقد بات عنواناً لا يخطئه أحد، عنوان يُسعى إليه، يرعاه ملك، وضع خطوطه الحمراء الواضحة، تحت شعار عريض "مهرجان الجنادرية ساحة للتاريخ والتراث.. والتلاقي الحضاري، والتسامح الذي لا ينال من الثوابت شيئاً".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي