أخطار المساعدات الخارجية
ذكر تقرير مؤسسة النقد أن المساعدات السعودية بلغت 162.726 مليار ريال من عام 1993 إلى 2012، وفي عام 2013 واصلت الزيادة بعد ما أعلن من مساعدات. في تحليل حديث عن اليمن لشتهام هاوس ذكر أن هناك هجرة لرأس المال بلغت 12 مليار دولار بين عام 1990 و2008، فكل دولار دعم قدم لليمن كان هناك هروب 2.7 دولار بسبب ضعف النظام الضريبي والتعاون غير المقدس بين الطبقة الحاكمة والمنتفعين من القطاع الخاص. كما ذكر مدى صعوبة الوصول إلى تنظيم حديث في الاقتصاد السياسي لتأسيس قواعد جديدة لانطلاقة في التنظيم السياسي والاقتصادي قادرة على النمو. كما أن أوضاع مصر المالية والاقتصادية تزداد تعقيدا في أوضاع سياسية لا تساعد على التعامل مع إشكاليات عميقة ونمو سكاني مؤثر، وليس الأردن بالرغم من المحاولات الجادة نسبيا ببعيد عن الحاجة المالية، كذلك اعتاد لبنان ومستقبلا سورية على المساعدات السعودية وغيرها بالرغم من المواقف السياسية المنقسمة داخليا وخارجيا.
للدعم أسباب منها أن هناك حاجة واضحة للدعم لأسباب إنسانية وانتقالية مؤقتة "فرضا" واستراتيجية وأحيانا يصعب الفصل بينهما، ولكن الدعم في الأخير غير مجد اقتصاديا فهو مثل معالجة مرض السرطان بمضادات وضمادات لحين. أثبتت التجارب أن الدعم ليس سببا رئيسا ومؤثرا في ارتقاء ونجاح الأمم في ظل غياب منظومة إصلاحات جذرية قادرة على خلق بيئة جاذبة للاستثمار ومحققة للعدالة المجتمعية. في كتاب للدكتور ديتون من جامعة برنستون "الهروب الكبير: الصحة، الثروة، ومنشأ عدم المساواة"، يذكر أن دور المساعدات محدود جداً في التنمية وأحيانا كثيرة يأتي بنتائج عكسية، فمثلا دعم الدول للصحة والغذاء يمكنها من توظيف المال لشراء السلاح. الإشكالية الفرعية أن دول الخليج لا تقدم نموذجا يحتذى به للدول المستقبلة للدعم، ولذلك فإن الرسالة ضعيفة. في الأخير دور دول الخليج والمملكة سيكون في الجوهر دعما ماليا دون مرجعية تنموية فاعلة، إضافة إلى أن اقتصاديات دول الخليج في الأخير معتمدة على فوائض مالية غير قابلة للاستمرار بسبب تذبذب أسعار النفط وتنامي المصروفات الداخلية، هذه الصورة تجعل دعم المملكة لهذه الدول غير قابل للاستمرار. والانجراف في المساعدات يجعل من هذه الدول نفطية بالتبني، بل إن هذه الدول أصبحت تعتمد على النفط من خلال المساعدات كما يذكر الكتاب.
المساعدات مفهومة في ظل مرور هذه الدول بأزمات سياسية ومجتمعية خانقة لتجاوز مرحلة انتقالية بدأت عام 2011 ومتوقع أن تستمر لسنوات طويلة، ولذلك فإن استمرارها نزيف مالي وتشجيع لتأجيل الإصلاحات وستزداد صعوبة إيقافها حتى لو احتاجت المملكة لاحقا. في العلاقات الخارجية لا أحد يسامح أحدا. المنظار القومي يجعلنا في القارب نفسه وفصل السياسة عن المال مثل فصل الدم عن الجسم. للعطف دور ولكن علينا التفكير انتقائيا لدعم المصالح الوطنية وليس دعما اقتصاديا في هذه المرحلة. لذلك لا بد من إعادة جدولة الدعم بما يخدم المملكة استراتيجيا في المديين القصير والبعيد. واستغلال المال داخليا لتمرير إصلاحات جذرية هو الاستثمار الأمثل للمال وتقليل دور الدعم تدريجيا، ولكن بوضوح وهذا لن يتم في ظل سياسة سائلة في هذه الدول. علينا تقليل الدعم لهذه الدول مهما كانت ظروف هذه الدول وفي أسرع وقت وليحدد بسقف زمني يبدأ بالعام القادم وينخفض سريعاً.