حركة أسعار النفط تخطت موجة الإنفاق على المشاريع الاستخراجية

أسعار النفط لديها تاريخ طويل في التحرك ضمن دورات صعودا وهبوطا. إن ارتفاع أسعار النفط عادة يؤدي إلى زيادة الاستثمار في إمدادات جديدة، الأمر الذي يؤدي بعد ذلك إلى انخفاض الأسعار أو وضع ضغوط عليها، وهذا بدوره يؤدي إلى تثبيط الإنفاق على المشاريع النفطية بصورة عامة والاستخراجية منها بصورة خاصة. بصرف النظر عن عامي 2008 و2009 اللذين انخفضت فيهما أسعار النفط بصورة حادة بعد الأزمة المالية الحادة التي ضربت الاقتصاد العالمي، وأدت إلى تراجع الطلب على النفط بصورة كبيرة، أسعار النفط تعتبر الآن عند مستويات مرتفعة تاريخيا لنحو عقد من الزمان. مستوى الأسعار هذا يطرح تساؤلا ما إذا كان انخفاض الأسعار وشيكا الآن في ضوء الاستثمارات الكبيرة التي تمت أخيرا في المشاريع الاستخراجية، أو ما إذا كانت أسعار النفط قد انتقلت إلى نوع جديد من أنماط الحركة الدورية وتخطت موجة الإنفاق.
ارتفاع الأسعار أثار باستمرار استجابة من قبل العرض كانت من القوة بما يكفي لتخفيف حدة الأسعار والدخول في درجة من الاستقرار، لقد بلغ متوسط أسعار خام بحر الشمال القياسي برنت في نهاية عام 2013 ما يقرب من 110 دولارات للبرميل لمدة ثلاث سنوات على التوالي، نعم هذا المعدل بعيد عن الذروة التي وصلها لفترة وجيزة في عام 2008 قرب 150 دولارا للبرميل، لكنه في الوقت نفسه أعلى بكثير من الأسعار التي كانت سائدة قبل عام 2004.
إن ثقة الأسواق ببقاء أسعار خام بحر الشمال برنت عند 100 دولار للبرميل، وتوافر فرص جذابة للاستثمار في المشاريع الاستخراجية، ولا سيما في أمريكا الشمالية، يساعدان أيضا على الحفاظ على معدلات استثمار عالية في المشاريع الاستخراجية. إن الإنفاق العالمي على مشاريع التنقيب والإنتاج لم يبلغ ذروته بعد، "لكنه لا يزال في الأيام الأولى من دورة تصاعدية طويلة"، وفقا لبنك الاستثمار باركليز، الذي يتوقع أن يرتفع الاستثمار في المشاريع الاستخراجية بنسبة 6.1 في المائة هذا العام ليصل إلى مستوى قياسي جديد يقدر بنحو 723 مليار دولار، معدل الإنفاق في أمريكا الشمالية وحدها سيرتفع بنحو 7.3 في المائة ليصل إلى نحو 200 مليار دولار.
شركات النفط الوطنية والشركات المعروفة بالمستقلة في أمريكا الشمالية هي التي تقود الآن هذا النمو في الإنفاق، عاكسة بذلك اتجاه الركود الذي أنشأته شركات النفط الكبرى المتكاملة المقتصدة على نحو متزايد في الإنفاق، التي ادعت أن عام 2013 كان عام الذروة في الإنفاق. الكثير من الإمدادات الجديدة هي في الحقيقة عالية التكلفة، وفعلا ساعدت على وضع أرضية عالية تحت الأسعار.
إن ارتفاع الإنتاج من المصادر غير التقليدية الجديدة في الولايات المتحدة، الرمال النفطية الكندية، الحقول تحت طبقات الملح البرازيلية وحقول المياه العميقة غرب إفريقيا وضعت جميعها حدا لنظرية "ذروة النفط" التي كانت تروج لها بعض الدوائر، لكن هذه الإمدادات الجديدة لم تبشر بالعودة إلى زمن النفط الرخيص الثمن. في هذا الجانب تشير بعض دور المعرفة إلى أن إنتاج هذه الإمدادات الهامشية يحتاج إلى أسعار برنت في حدود 90 دولارا للبرميل لتصبح اقتصادية وتحقق عوائد على الاستثمار. في الولايات المتحدة، تشير مصادر الشركات المستقلة إلى أن استثماراتهم في المشاريع الاستخراجية، ولا سيما مشاريع الصخر الزيتي، ستتأثر بصورة كبيرة إذا ما انخفضت أسعار خام غرب تكساس الوسيط القياسي في الولايات المتحدة إلى ما دون 74 دولارا للبرميل.
هناك عوامل أخرى تعمل أيضا ضد تحرك دورة الأسعار إلى مستويات منخفضة جدا. من هذه العوامل الطاقات الإنتاجية الاحتياطية التي لا تزال الأسواق تراها محدودة، وتتركز بصورة رئيسة في عدد محدود من دول "أوبك" على رأسها السعودية التي تمتلك وحدها أكثر من 80 في المائة من الطاقات الاحتياطية للمنظمة. في حين أن المستثمرين والمضاربين في أسواق النفط منحازون بشكل كبير إلى الجانب الطويل الأمد ودائما يراهنون على قوة الأسعار. ربما الأهم من ذلك، وبسبب التزامات الإنفاق الاجتماعي الكبيرة في أعقاب ما يسمى "الربيع العربي"، العديد من منتجي "أوبك" الرئيسين في منطقة الشرق الأوسط في حاجة الآن إلى أسعار نفط أعلى بكثير لتلبية حاجات الموازنة السنوية لدولها، على سبيل المثال تحتاج معظم دول منظمة أوبك إلى أسعار نفط فوق 85 دولارا للبرميل لتغطية الموازنة. هذا يعني أن المنظمة ستعمل جاهدة على الحفاظ على أسعار نفط فوق هذه المعدلات.
لكن على ما يبدو أن ديناميكية حركة الأسعار الجديدة لا تزال في حاجة إلى اختبار. لقد ظلت أسعار النفط مرتفعة على الرغم من الاستثمارات الجديدة الكبيرة التي قامت بها الصناعة النفطية في المشاريع الاستخراجية، يعود السبب في ذلك جزئيا إلى أن إمدادات النفط الفعلية قيدتها في كثير من الأحيان العوامل الجيوسياسية، وجزئيا أيضا بسبب استمرار النمو الكبير نسبيا في الطلب على النفط من قبل الأسواق الناشئة. أي تغيير في اتجاه أي من هذه الأسباب قد يؤدي إلى بعض التراجع في الأسعار، إن لم يكن التراجع كبيرا جدا، حينذاك سيكون النفط على الأقل أرخص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي