فليكن العمدة بهذا المستوى
أرجو ألا يعتقد القارئ أن المقصود بالعمدة في هذا المقال عمدة الحي في مدننا، الذي إذا ذهبت إليه لأخذ إفادة منه بأنك من سكان الحي لتقديمها لإحدى الدوائر الحكومية التي تطلب مثل هذه الإفادة لم تجده, وإن وجدته بعد طول عناء أنكر معرفته لك، وطالبك بإحضار من يشهد أنك من سكان الحي، فهذا العمدة خارج إطار هذا الموضوع مع رجائنا أن يأتي الوقت الذي يؤهل فيه عمدتنا لأداء المهمات التي توكل إليه .
تمثل سيارات التاكسي في مدينة لندن، المدينة الكبيرة، المكتظة بالسكان، إحدى وسائل النقل العامة، إضافة إلى وسائل النقل الأخرى كالقطارات والحافلات، وتعمل في لندن 20 ألف سيارة تاكسي، وتعمل وفق نظام الطاقة المحترقة، ما يسبب تلوثاً يضاف إلى التلوث الناجم عن المصانع ووسائل النقل الأخرى، هذا الوضع الملوث للمدينة العريقة لم يرق لعمدة المدينة وحق له أن ينزعج لمدينته ليحافظ على صحة ساكنيها وزوارها.
العمدة الحريص على مدينته قدم مشروعا يتمثل في تصنيع آلاف من سيارات التاكسي التي تحافظ على الشكل الخارجي لسيارات التاكسي القديمة، وذلك إبقاء على إحدى وسائل نقلها التي تميزت بها دون غيرها من المدن الأخرى العريقة في وسائل النقل العامة على مستوى العالم، وليس في أوروبا فقط.
المشروع يتمثل في تصنيع سيارات تاكسي تعمل بالطاقة الكهربائية بدلاً من سيارات النفط والمعروفة بصديقة البيئة، كما أن المشروع يتضمن نوعاً آخر من السيارات، وهو ما يعرف بالسيارات الهجين التي تعمل وفق نظام الوقود، والكهرباء في الوقت ذاته للتقليل من التلوث.
الخبر لافت للانتباه ليس في تصنيع سيارات تعمل بالكهرباء، إذ إن الجهود لتصنيع هذا النوع من السيارات بدأت الأبحاث والدراسات فيها منذ فترة ليست بالقصيرة، وحققت الأبحاث نجاحاً جيداً، وذلك لتخفيض فاتورة النفط المستورد، والتقليل من التلوث قدر المستطاع، ومع أن النجاح في تصنيع هذا النوع من السيارات على نطاق واسع يؤثر في صناعة النفط في الدول المنتجة للنفط، وعلى رأسها المملكة، ومع ما يشكله هذا التوجه من تهديد وتأثير سلبي في صناعة النفط، إلا أنني لم أقرأ بحثاً علمياً صدر من جامعة، أو مركز بحثي يستهدف رصد التوجه الصناعي الجديد، ومعرفة كيف يمكن مسايرة هذا الوضع بما يحفظ لصناعة النفط لدينا مكانتها، وتصدرها على الساحة الدولية، وبما يحفظ لوطننا سلعته الأساسية، التي نعتمد عليها في تنميتنا وبناء وطننا، كما لم أقرأ أو أسمع تصريحا لمسؤول سياسي أو من مسؤولي النفط ما يفيد بالاهتمام بالتوجه الجديد في صناعة السيارات. أعتقد أن شركة أرامكو المسؤولة عن صناعة النفط معنية بالعمل على إجراء دراسات وأبحاث تستهدف إيجاد مشتقات نفطية صديقة للبيئة وقليلة التلوث، ويمكن لها أن تتعاون في ذلك مع الجامعات السعودية ومراكز الأبحاث ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، إضافة إلى مراكز أبحاث عالمية.
الوقفة الثانية مع هذا الموضوع هي في اهتمام عمدة المدينة ليس بتسيير الأعمال اليومية، لكنه يعمل ويخطط بشكل استراتيجي يحفظ لمدينته مناخاً صحياً وجاذبا، ما يضمن قوتها الاقتصادية والمالية وجاذبيتها السياحية، لذا جاءت فكرة إنتاج سيارة صديقة للبيئة، وكم تمنيت لو وجد لدينا أمناء مدن بهذا المستوى من التفكير الاستراتيجي بدلاً من تسيير الأعمال اليومية وحفظها في مناخها وبيئاتها، وعدم تعرضها لتهديد السيول التي كثيراً ما أحدثت أضرارا فادحة في الأنفس والممتلكات، وأوجدت هلعاً لدى سكان المدن التي اجتاحت السيول أجزاءً منها. لا نطمع في مبادرات ضخمة كتلك التي طرحها عمدة لندن، لكن نطمع أن تنجز المشاريع بشكل صحيح، وألا تتم سرقة المشاريع والتلاعب بها كما حدث في مشروع الصرف الصحي أو فضيحة العصر وغيره من المشاريع البلدية التي سمع عنها الناس ولم يروها.