النمو الخليجي الأقل شكوكاً

التوقعات بنمو الأسواق الخليجية في العام الجاري جاءت من أكثر من جهة، كان آخرها صندوق النقد الدولي. وإذا كانت هناك شكوك تحوم حول التوقعات الخاصّة بنمو الاقتصاد العالمي الذي حدّده "الصندوق" بـ 3.6 في المائة في العام نفسه، فالأمر ليس كذلك على صعيد الحراك الاقتصادي العام في دول مجلس التعاون الخليجي. مع الإشارة إلى أن رفع تصنيف أسواق قطر والإمارات من مبتدئة إلى صاعدة اعتباراً من أيار (مايو) المقبل، سيعزِّز توقعات النمو في المنطقة بشكل عام. وهذه بحد ذاتها نقلة نوعية (بل تاريخية) على صعيد الأسواق في الخليج، تعزِّز الثقة وترفع المعنويات، وتزيد من مستوى الاستقطاب الاستثماري. دون أن ننسى، أن المفاجآت واردة بصورتيها السلبية والإيجابية خلال العام الجاري، ولا سيما ما تبقى من آثار سلبية على الساحة الدولية من الأزمة الاقتصادية العالمية.
غير أن الداعم الأكبر لتوقعات النمو في المنطقة، رغم كل التطورات الإيجابية الأخرى، يبقى الحراك التنموي الهائل للمملكة. ومستوى "الإيجابية" هنا يأتي من مستوى الثقل الاقتصادي الذي تمثله السعودية إقليمياً وعالمياً، خصوصاً في ظل استراتيجية اقتصادية شاملة، لا تشبه سابقاتها طوال العقود الماضية. غير أن هذا كله، لا يعني مجدّداً، أن القضايا المتفاعلة الخطيرة على الساحة في المنطقة، لن يكون لها أثر سلبي، إذا ما جنحت نحو الأسوأ. وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني المشوش، والأزمة المتفاقمة في سورية، والقضايا الأخرى المرتبطة بصورة أو بأخرى بهما. وإلى جانب الآثار المتبقية للأزمة الكبرى، هناك أيضاً الاضطراب الراهن في صُنع القرار الاقتصادي في الولايات المتحدة، الذي يترك بصماته السلبية بين الحين والآخر على الاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد الخليجي كان الأقل تأثراً بـ "تفجيرات الأزمة"، إلا أن روابطه العالمية لها تبعاتها السلبية والإيجابية. وهو أمر يُؤخذ في الاعتبار في قراءة النمو في الأسواق الخليجية. صحيح أن المخاطر وصلت إلى مستوياتها الدنيا، لكن الصحيح أيضاً، أن تفاعلات كبرى (الديون الأوروبية، ومعدلات البطالة المرتفعة عالمياً، والأزمات المتجدّدة للأسواق الناشئة.. وغير ذلك) لا تزال موجودة في الميدان. بصرف النظر عن مستويات تأثيرها المباشر في الأسواق في الخليج. ولا يمكن استبعاد التطورات الراهنة على صعيد الطاقة العالمية، في قراءة مسيرة النمو في المنطقة في العام الجاري. هناك استحقاقات في هذا المجال، لها تأثيراتها المباشرة أيضاً، مع ضرورة الإشارة إلى أن النفط لا يزال يشكل المصدر الأول للناتج الإجمالي المحلي في دول مجلس التعاون الخليجي.
لكن في النهاية، تبقى التوقعات الخاصّة بنمو الأسواق الخليجية أكثر واقعية، مقارنة بمثيلاتها المرتبطة بالاقتصادات العالمية الأخرى. والواقعية هذه، تزيد من تدفق الاستثمارات الخارجية، فضلاً عن دعم مباشر لمخططات التنمية المختلفة، ولا سيما تلك التي وضعت قيد التنفيذ لآجال تصل إلى 10 و15 عاماً. ولعل من أهم النقاط في النمو المتوقع بالمنطقة، أنه سيسهم مباشرة أيضاً في حل جوانب لا تزال عالقة فيما يختص بالبطالة في أوساط المواطنين الخليجيين أنفسهم. فالسياسة التي وضعتها الحكومات الخليجية ضمن استراتيجياتها، تدفع في هذا الاتجاه، خصوصاً في ظل ما تطرحه الشراكات بين القطاعين العام والخاص من حلول وفوائد. وفي الحالة السعودية، يضاف إليها عمليات تصحيح أوضاع العمالة برمتها، التي تفرز شيئاً فشيئاً رافداً آخر للتوظيف الوطني.
إذا تمكنت الأسواق الخليجية من إنهاء العام الجاري بنمو مرتفع، فإنها تستطيع أن تؤسس عليه للأعوام المقبلة، في حين أن غالبية دول العالم (بما فيها المتقدمة والناشئة) تشهد "ولادة" دورية لمعطلات تنشر الشكوك حول نمو اقتصاداتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي