موارد تمويل الصندوق السيادي

أشرنا في المقال السابق إلى أن مجلس الشورى بصدد دراسة إنشاء صندوق ثروة سيادي، ومن ضمن الاعتبارات الأساسية التي يجب أخذها في الاعتبار عند إنشاء الصندوق مصادر التمويل. لكن قبل الخوض في صلب المقال، لا بد أن يكون هناك تعريف واضح ومحدد لصندوق الثروة السيادي، حيث إن هناك تعاريف متعددة في الأدبيات الاقتصادية وكذلك بين المختصين في هذا المجال، ونعرج على "ما هو الصندوق السيادي السعودي" بعد ذلك.
لذا، سنستند في سلسلة هذه المقالات إلى التعريف المتفق عليه بين مجموعة العمل الدولية لصناديق الثروة السيادية في مبادئ سانتياغو في عام 2008- 2009: "صناديق الثروة السيادية عبارة عن أوعية استثمارية تعود ملكيتها إلى الحكومة وأُنشئت لتحقيق أهداف اقتصادية من خلال حيازة وإدارة الأصول السيادية لأهداف مالية بحتة، ويتم توظيف مجموعة من الاستراتيجيات الاستثمارية التي من ضمنها الاستثمار في الأصول المالية الأجنبية. وأخيراً، يتم تأسيس هذه الصناديق من فوائض ميزان المدفوعات أو فوائض الميزانية العامة أو الخصخصة أو الاحتياطيات الأجنبية". لذلك، فالصناديق التي تستثمر في الأصول المحلية فقط لا يطلق عليها مصطلح صناديق الثروة السيادية.
عندما نحاول إسقاط هذا التعريف على الأوعية الاستثمارية في السعودية، نجد أن لدينا ثلاثة صناديق ثروة سيادية
أولا: صندوق الاستثمارات العامة، حيث يستثمر جزءا من أصوله في شركات عدة في الدول العربية والإسلامية وغيرها. أما الأغلبية العظمى من أصوله تكون في مساهمات وقروض لشركات وطنية.
ثانياً: شركة سنابل للاستثمار، حيث تشير على موقعها الإلكتروني إلى أن استثماراتها داخل المملكة وخارجها تتكون من الاستثمار في صناديق الملكية الخاصة والاستثمار المباشر ومحافظ استثمارية متنوعة.
ثالثاً: الموجودات الأجنبية لدى "ساما" التابعة للميزانية العامة للدولة (المقدرة بحدود 1600 مليار ريال).
إن المصدر الرئيس لتمويل هذه الصناديق هو فوائض الميزانية العامة وجزء من الإيرادات النفطية. بما أن الاستثمارات الأجنبية لصندوق الاستثمارات العامة تمثل نسبة بسيطة من إجمالي الأصول (تقريبا 9 في المائة بنهاية 1432هـ)، وليس هناك أي بيانات منشورة عن الأصول الأجنبية لشركة سنابل للاستثمار (وكذلك حجمها البسيط نسبياً مقارنة بالموجودات الأجنبية لدى "ساما")، لذا فالسؤال البدهي: هل هناك احتياطيات أجنبية رسمية "فائضة" يمكن أن توضع جانباً للاستثمار في الصندوق السيادي؟ من دون الحاجة إلى الخوض في منهجيات تقييم "كفاية" الاحتياطيات الأجنبية (التي تتم حيازتها من أجل الدفاع عن العملة الوطنية من الضغوط الخارجية وتلبية احتياجات ميزان المدفوعات لتغطية استيراد السلع والخدمات). أشرت في مقال "الاقتصادية" "الصندوق السيادي .. هل يرى النور؟" إلى أن هذه الاحتياطيات أعلى بكثير من المؤشرات المتعارف عليها Rules of thumbs مثل تغطية 100 في المائة من الديون قصيرة الأجل أو ثلاثة أشهر من الواردات المتوقعة للسنة المقبلة أو تغطية 20 في المائة من النقود بمعناها الواسع (ن 2) حتى لو أخذنا في الاعتبار أن وطننا يعتمد على مصدر وحيد للدخل ولدينا سعر صرف ثابت.
لذا، بما أنه من الواضح أن هناك احتياطيات أجنبية "فائضة" لدى "ساما"، فإنه يمكن تخصيص جزء منها للاستقرار الاقتصادي (لتقليل التأثير المالي من التقلبات في أسعار النفط العالمية) والادخار للأجيال القادمة من أجل رفع مستوى الرفاه الاقتصادي للمواطن على المدى البعيد. لتحقيق هذين الهدفين، سنتطرق في مقال لاحق إلى جدوى استثمار جزء من هذه الاحتياطيات تحت مظلة "ساما" أو إنشاء شركة متخصصة على غِرار سنابل للاستثمار.
خلاصة ذلك، أن المصدر الرئيس لصندوق الثروة السيادي من الأرجح أن يكون من الموجودات الأجنبية لدى "ساما"، وهناك تجارب دولية متعددة في هذا المجال من ضمنها شركة الاستثمار الكورية وكذلك شركة الاستثمار الصينية، حيث أوكلت لكلتيهما مهمة إدارة جزء من الاحتياطيات الأجنبية من أجل تعظيم المنفعة الوطنية الكلية والعائد مقاساً بالمخاطرة، بحكم أن البنوك المركزية في العالم جبلت على الاستثمار في أصول ذات مخاطر قليلة، وبالتالي قليلة العائد. وسنتطرق في المقال اللاحق إلى الإجابة عن سؤال "لماذا الصندوق السيادي السعودي؟" ومن ثم سنتناول أنواع صناديق الثروة السيادية وأين تستثمر أصولها من أجل تحقيق الغاية التي أنشئت من أجلها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي