أنت.. إن الصينَ تدورُ في دمك (2 من 2)

لو حكمت الصينُ الأرضَ، فكيف سيكون شكل ذلك الحكم؟
يبدو أن الصينَ ليس لها شهية في التحكم والتدخل السياسي بين الدول كما فعلتْ أمريكا، التي صارت تدفع ضرائب هائلة نتيجة تدخلاتها المختلفة في دول العالم، كضارب البندقية الذي يعود القاذف إلى صدره بقوة فيجعله يتطوّح مذهولا متألما. الصين درست جيدا في الصف الأمريكي، تتعلم طرق النجاح الأمريكي، وتتعلم كيف تتجنب أخطاءه. ولن تتدخل كثيراً في الشأن السياسي في كل الدول، إلا ربما من ناحية الضغط على الدول التي تملك ثروات أرضية تحتاج إليها. إن هيمنت الصين فالنفط سيتعرض للضغط الصيني، ويجب أن تستعد الدول المصدّرة للنفط كيف تقف ضد التنين الزاحف، بتعلم أساليبه، وستدخل معها كتحدي مصارعة اليد. ربما لوحت الدول المصدرة للنفط بأنها تملك ساحة المناورة أكثر، أو أن الصين ستفعل.. هي لعبة فيها المعلومات والدهاء وقوة الموقف. لا يمكن أن تملك الدول المصدرة للنفط ساحة اللعب ضد الصين، إلا إن بدأت من الآن قراءة الاتجاهات في المذاق الصيني في إدارة دفتها العالمية، هل ستكون اقتصادية ـــ سياسية؟ أم اقتصادية بحتة؟ أتصور أن الصين ستستعمل دوما ورقة الاقتصاد لأنها خبيرة بها من قرون متراكمة، فالصين موجودة في كل جيب دولة على الأرض، وخصوصا الكبرى، وتشكل في قلبها قلباً صينياً، يكون صورة مصغرة عن كامل الصين، وبالذات في السعي للقوة المالية.
لذا يبدو أن الصين ستحكمنا ـــ إن حكمت ـــ بامتلاك الشركات المتعددة الجنسيات، وغالبها أمريكي، أي أن تشتري الإمبريالية الرأسمالية ذاتها، فها هي تمتلك الـ "آي بي إم" رمز أمريكا الأكبر في عالم التقنية من عقود، وشركات في كل القارات، وما زال الحبل على الجرار.
إن امتلاك الشركات العالمية أو أكبرها، مع شركات ومصارف صينية قوية تنبع من وفي كل مكان، ستجعل الصين من خارج الكرة الأرضية يدا مبسوطة عليها؛ فلا ننسى كم نظرية وكم كاتب تحدثوا عن هيمنة الشركات العالمية وسيطرتها الدولية المخيفة، بعضها بالغ في رومانسية تلك السطوة، ولكن فيها كثير من الحقائق الدامغة.
إن موقف الصين مع الوضع السوري يؤكد نظرية عدم الصبغة السياسية البحتة، حيث تلعب في المسرح السوري من الخلف البعيد، فلا تشكل قوة رئيسة للتفاوض كروسيا وإيران مثلا، لأن عينها الأخرى مفتوحة أكبر على الصبغة الاقتصادية فلا تريد إرسال رسالة خاطئة للعالم.
الحزب الوحيد الحاكم المتجه للانفتاح الاقتصادي يبقى صارماً ضيق الأفق أمام تعدد الرأي والأحزاب.. فهل هذا كان جوهر الامتياز الصيني؟
في الخليج يقولون: تغرق السفينة إن قادها أكثر من نوخذة.. وصدقوا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي