رسالتي لوزير التربية الجديد
دخلت نفقا جديدا بين بيروقراطية عتيدة بعمقها العملي ومساحتها الجغرافية من جهة، وبين ضعف تنموي يردد الجميع أن التعليم سبب رئيس فيه. هذه المساحة قادرة على استهلاك كل طاقة والمطالبة بالمزيد دون أمل تغيير بسيط حقيقي في المدى المتوسط. قدراتك وخبرتك العملية والحياتية ليست محل شك، ولكن الموضوع ليس عن قدرة شخص أو حتى فريق، ولست أيضاً من دعاة التذمر (مقال ''الاقتصادية'' حالة التذمر: نحن العدو)، ولكن مسألة التعليم إدارية بل قيادية في جزء ليس كبيرا منها، حيث إن الجزء الأكثر أهمية أنها رسالة تنموية بشقيها المعنوي والمادي. رسالة المجتمع نسيج حساس يسهل بناؤه إذا كانت هناك إرادة ولكن تخريبه أسهل، ولذلك علينا تغيير منهجية التفكير.
النظرة التقليدية القائمة للتعليم أنه العائق الأساسي لتطوير المجتمع دون خوض في التفاصيل المحرجة، وبالرغم من صعوبة مواجهة الرأي التقليدي إلا أن هناك رأيا آخر يبدأ بالنظر للتعليم على أنه من أهم مدخلات العملية الاقتصادية، وما تحمل هذه النظرة من فرص للأفراد لارتقاء السلم المجتمعي عن طريق الجدارة والكفاءة العلمية لرفع دخولهم من خلال التقدم المهني والوظيفي. ولكن هذا لا يمكن أن يتحقق في ظل البيئة التنموية والاقتصادية الحالية التي يغلب عليها نموذج ريعي يتناقض مبدئيا مع الكفاءة والجدارة، وحتى التوزيع الطبيعي للمواهب والقدرات. لذلك حان الوقت لتعريض الناس لقوى المنافسة لقبول قوى الانتخاب الطبيعية بين البشر ومن ثم حماية المحتاج. تجربتنا في العقود الأربعة الماضية تدل على أننا لم نتعلم كثيرا. لن أدخل في الجزيئات ولكن هناك أربع مهام لا بد من حسمها سريعا لارتباطها الوثيق بالاستحقاقات التنموية والرسالية للمجتمع. في ظل هذا الوسط المعقد.
ما الحل؟
التعويل على التعليم دون سياسة جديدة إما رهان أكاديمي خاسر، وإما عملية شراء وقت غير مقدسة. هناك أربع خطوات عملية مترابطة. الخطوة الأولى والأهم، لا بد لوزارة التعليم أن تكون مدافعا شرسا عن نصف سكان المملكة الذين هم في سن التعليم العام، عدا أنها تقف في بوابة الدخول للمواطنين الجدد. إذ يجب على الوزارة مطالبة وزارة الاقتصاد والتخطيط خاصة والمالية والعمل ببرامج تنموية واضحة وعميقة وممكن الدفاع عنها من جهات مهنية مستقلة، للدفع بالنمو الاقتصادي في المديين المتوسط والطويل.
الخطوة الثانية، لا بد أن يكون هناك انضباط بيروقراطي في جهاز الوزارة وإدارات التعليم، وإبعاد حثيث لكل معلم لا يجتاز امتحانات الكفاءة دوريا ''منح البعض تعويضا ماليا''.
الخطوة الثالثة، سبق لي فرصة الاطلاع عمليا على بعض جوانب برنامج خادم الحرمين لإصلاح التعليم، وقد حان الوقت لإعادة النظر فيه هيكليا وتقليصه سريعا أو الأخذ بنهج يجعله بديلا للوزارة، الحالة الوسطية دائماً ضعيفة وخلقت سوء فهم ومنافسة غير شريفة وتكاليف بعيدة عن الأداء، وخاصة من قبل استشاريين أجانب لا يعرفون الكثير عن المجتمع. الخطوة الأخيرة يقال إن ما لا يمكن قياسه يصعب تقييمه، لذلك لا بد من ربط ميزانية الوزارة ''ومساءلة مسؤوليها'' بجودة مخرجاتها، صرف المبالغ سهل في ظل رغبة الحكومة وارتفاع أسعار النفط، ولكن نتائج الطلاب ''في العلوم والرياضيات'' مقارنة بالدول نصف المتقدمة لا يزال ضعيفا ويدل على ضعف العلاقة الحقيقية مع وزارة الاقتصاد والتخطيط من جهة، وضعف الدور الرسالي من جهة أخرى.
تحقيق هذه الخطوات سيقفز بالمملكة إلى مدار أعلى نستطيع به المنافسة، ولكن بدونه لن نستطيع المحافظة على ما تحقق.